ثالثاً: الكليات التشريعية: هي المبادئ والقواعد المتصلة اتصالاً مباشراً بتفريع الأحكام العملية من تحليل وتحريم وإيجاب وإباحة وضبط وتنظيم، ومن الآيات القرآنية التي تدل على هذا النوع من الكليات قوله تعالى: {وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه} (الجاثية:13)، فهذه الآية وأمثالها تقرر أصل الإباحة والتسخير.
وقوله تعالى: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب} (النحل:116)، وهذه الآية وما شابهها من آيات تبين أنه لا حلال إلا ما أحلَّه الله، ولا حرام إلا ما حرمه الله.
وقوله تعالى: {ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث} (الأعراف:157)، هذه الآية ونحوها تدل على أنه سبحانه أحل لعباده كل ما هو طيب في هذا الكون، وأنه حرَّم عليهم كل ما هو خبيث.
وقوله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} (البقرة:246)، هذه الآية وما شاكلها تدل على أن الأحكام والتكاليف والشرائع الصادرة من الله سبحانه إلى عباده، قد وضعت لهم حسب طاقاتهم وقدراتهم، وأنها لا تقتضي تكليف ما يكون خارجاً عن نطاق القدرة.
وقوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} (النساء:85)، قال القرطبي: " هذه الآية من أمهات الأحكام، تضمنت جميع الدين والشرع ".
وقوله تعالى: وقوله تعالى: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم} (النحل:91)، فعهد الله - كما يقول سيد قطب رحمه الله - مطلق يشمل كل عهد؛ وقوله تعالى: {الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق} (الرعد:20)، وميثاق الله مطلق يشمل كل ميثاق.
وقوله تعالى: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} (البقرة:188)، وهذه الآية ونحو ذلك من الآيات، تدل على أن كسب الأموال وتحصيلها، لا يكون إلا على وجه مشروع؛ وقوله تعالى: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما} (الفرقان:67)، وهذه الآية ونحوها تدل على إن إنفاق المال لا ينبغي أن يكون إلا على الوجه المشروع.
وقوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} (المائدة:2)، وهذه الآية ونحوها تتضمن أمراً عاماً كلياً بالتعاون على كل ما هو بر، وكل ما هو تقوى، وتتضمن كذلك نهياً عاماً كلياً عن التعاون على أي إثم، أو أي عدوان.
رابعاً: الكليات المقاصدية: وهي المعاني الأساسية الجامعة، التي لأجلها خُلقت الخلائق، ووُضعت الشرائع، وعلى أساسها وُجدت الحياة والموت، والبعث والنشور.
ومن الآيات التي تقرر الكليات المقاصدية، قوله سبحانه: {ليبلوكم في ما آتاكم} (المائدة:48)، وقوله تعالى: {ليبلوكم أيكم أحسن عملا} (هود:7)، وقوله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} (الذاريات:56)، وقوله تعالى: {لعلكم تتقون} (البقرة:21)، وقوله تعالى: {فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى} (طه:123)، وقوله تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله} (التوبة:33)، وقوله تعالى: {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم} (الجمعة:2)، وقوله تعالى: {وأوحينا إليهم فعل الخيرات} (الأنبياء:73)، وقوله سبحانه: {وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين} (الأعراف:142)، وقوله تعالى: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها} (الأعراف:56)، وقوله تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} (الزلزلة:7 - 8)؛ وقوله تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} (الحديد:25)، ونحو ذلك من الآيات التي تفيد بيان مقاصد الشرع الحنيف.
ومما يجدر ذكره ختاماً، أن هذا التصنيف للكليات القرآنية ليس تصنيفاً حصريًّا، لا سبيل للقول بغيره، بل هو تصنيف اجتهادي تقريبي، وبالتالي فلا غرابة ولا إنكار على ذكر أصناف أُخر تظهر للمتأمل والناظر في كتاب الله، فهو كتاب الله المفتوح، الذي لا تنقضي عجائبه.
اقتباسا من اسلام ويب