تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويرى أصحاب هذا المذهب: أن الصواب في سبب نزول الآية: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أوحى الله إليه أن زيداً يطلق زينب، وأنه يتزوجها بتزويج الله إياها له، فلما تشكى زيد للنبي صلى الله عليه وسلم خلق زينب، وأنها لا تطيعه، وأعلمه بأنه يريد طلاقها، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم على جهة الأدب والوصية: اتق الله، أي في أقوالك، وأمسك عليك زوجك، وهو يعلم أنه سيفارقها، وهذا هو الذي أخفى في نفسه، ولم يُرِدْ أن يأمره بالطلاق، لما علم من أنه سيتزوجها، وخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلحقه قول من الناس في أن تزوج زينب بعد زيد وهو مولاه، وقد أمره بطلاقها؛ فعاتبه الله تعالى على هذا القدر من أن خشي الناس في أمر قد أباحه الله تعالى له. (10)

وهذا المذهب روي عن: علي بن الحسين (11)، والزهري (12)، والسدي (13).

وذكر القرطبيان: أن هذا القول هو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين، والعلماء الراسخين. (14)

وممن قال به:

أبو بكر الباقلاني، وبكر بن العلاء القشيري، وابن حزم، والبغوي، وابن العربي، والثعلبي، والقاضي عياض، والواحدي، وأبو العباس القرطبي، وأبو عبد الله القرطبي، والقاضي أبي يعلى، وابن كثير، وابن القيم، وابن حجر، وابن عادل، والآلوسي، والقاسمي، ورحمة الله بن خليل الرحمن الهندي، وابن عاشور، والشنقيطي، وابن عثيمين. (15)

قال القاضي عياض: «اعلم ـ أكرمك الله، ولا تسترب في تنزيه النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الظاهر، وأن يأمر زيداً بإمساكها، وهو يحب تطليقه إياها، كما ذُكِرَ عن جماعة من المفسرين، وأصح ما في هذا: ما حكاه أهل التفسير، عن علي بن حسين: أن الله تعالى كان أعلم نبيه أن زينب ستكون من أزواجه، فلما شكاها إليه زيد قال له: أمسك عليك زوجك واتق الله. وأخفى في نفسه ما أعلمه الله به من أنه سيتزوجها مما الله مبديه و مظهره بتمام التزويج وتطليق زيد لها».أهـ (16)

وقال أبو العباس القرطبي: «وقد اجترأ بعض المفسرين في تفسير هذه الآية، ونسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا يليق به ويستحيل عليه، إذ قد عصمه الله منه ونزهه عن مثله، وهذا القول إنما يصدر عن جاهلٍ بعصمته عليه الصلاة والسلام، عن مثل هذا، أو مُسْتَخِفٍّ بحرمته، والذي عليه أهل التحقيق من المفسرين والعلماء الراسخين: أن ذلك القول الشنيع ليس بصحيح، ولا يليق بذوي المروءات، فأحرى بخير البريات، وأن تلك الآية إنما تفسيرها ما حُكي عن علي بن حسين .... ».أهـ (17)

أدلة هذا المذهب:

استدل أصحاب هذا المذهب على ما ذهبوا إليه، بأدلة منها:

الدليل الأول: أن الله تعالى أخبر أنه مُظهِرٌ ما كان يخفيه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ}، ولم يُظهرْ سبحانه غير تزويجها منه، حيث قال: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا}، فلو كان الذي أضمره رسول الله صلى الله عليه وسلم محبتها أو إرادة طلاقها؛ لأظهر الله تعالى ذلك؛ لأنه لا يجوز أن يُخبر أنه يُظهرِهُ ثم يكتمه فلا يظهره، فدل على أنه إنما عُوتِبَ على إخفاء ما أعلمه الله إياه: أنها ستكون زوجة له، لا ما ادعاه هؤلاء أنه أحبها، ولو كان هذا هو الذي أخفاه لأظهره الله تعالى كما وعد. (18)

الدليل الثاني: أن الله تعالى قال بعد هذه الآية: {مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ} [الأحزاب:38] وهذه الآية تدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن عليه حرج في زواجه من زينب رضي الله عنها، ولو كان على ما روي من أنه أحبها وتمنى طلاق زيدٍ لها، لكان فيه أعظم الحرج؛ لأنه لا يليق به مدَّ عينيه إلى نساء الغير، وقد نُهي عن ذلك في قوله تعالى: {لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر:88]. (19)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير