تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن هناك فرقا بين التفسير النبوي و التفسير بالحديث النبوي، و هذه المرويات تجمع بين الأمرين، فرواية أبي هريرة التي قال فيها "إن النبي قال: ما من مولود يولد إلا و الشيطان يمسه حين يولد، فيستهل صارخا من مس الشيطان إلا مريم و ابنها " جاء فيها "ثم يقول أبو هريرة:و اقرءوا إن شئتم: (و إني أعيذها بك و ذريتها من الشيطان الرجيم) فالذي ربط بين الآية و الحديث هو أبو هريرة، و لم يكن ربطه إلا استشهادا بالآية على الحديث. لكن الإمام البخاري جمع بين الرواية بما فيها قول أبي هريرة و بين الآية، فأصبح حديث أبي هريرة كله تفسيرا للآية. و الحقيقة أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يكن في هذه الرواية هو المفسر، و حتى أبو هريرة لم يكن يقصد تفسير الآية بالحديث، فهو إذن ليس تفسيرا نبويا، و لا تفسير صحابي، و إنما هو تفسير للإمام البخاري برواية أبي هريرة التي ورد فيها ربط الحديث النبوي و الآية.

و في باب {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ}، أورد الإمام البخاري ثلاث روايات هي عبارة عن أسباب نزول أو تطبيقات للآية:

الرواية الأولى: عن ابن مسعود و فيها أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: من حلف يمين صبر ليقتطع بها مال امرئ مسلم و هو فيها فاجر لقي الله و هو عليه غضبان، فأنزل الله تصديق ذلك (الآية). (ص البخاري /رقم 4549).

و في الرواية الثانية: عن عبد الله بن أبي أوفى:أن رجلا أقام سلعة في السوق فحلف لقد أعطي بها ما لم يعطه، ليوقع بها رجلا من المسلمين،فنزلت الآية. (البخاري/رقم: 4551)

و في الرواية الثالثة: عن ابن أبي مليكة أن امرأتين كانتا تخرزان في بيت أو في الحجرة فخرجت إحداهما و قد أنفذ بإشفى في كفها، فادعت على الأخرى،ـ فرفع إلى بن عباس، فقال بن عباس:قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: لو يعطى الناس بدعواهم لذهب دماء قوم و أموالهم. ذكروها بالله و اقرءوا عليها {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ} فذكروها، فاعترفت.

فالرواية الأولى و الثانية يمكن اعتبارهما من أسباب نزول الآية و الرواية الثالثة فيها تذكير للمرأة بالآية، و ليس في الروايات جميعا تفسير بمعنى كشف لغموض وارد في الآية، لولاه لبقيت غير مبينة.بل إن الآية واضحة و الروايات لم تقصد إلى تفسيرها. و النبي صلى الله عليه و سلم لم يقصد هو الآخر ذلك. بل إن الصحابة سواء ابن مسعود أو بن أبي أوفى أو بن عباس هم الذين ربطوا بين كلام الرسول صلى الله عليه و سلم و الآية،ومن ثم فهو ليس تفسيرا نبويا، و قد يجوز أن يقال رُبِِط بين الآية و الحديث لعلاقة بينهما من طرف الصحابة، فإذا سميناه تفسيرا فهو تفسير بالحديث النبوي و ليس تفسيرا نبويا. و هكذا باقي الرويات.

إن ما عالجته هذه المرويات هي أمور خاصة بالرواية و ليست خاصة بالآية، فمثلا في رواية عائشة، في قوله تعالى: (منه آيات محكمات)، ورد قوله " فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم " فهي تعالج قضية أناس في المجتمع، تحذر منهم باعتبارهم المقصودين بالآية "أولائك الذين سمى الله".

كما الروايات الثلاث التي وردت في تفسير قوله تعالى باب {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً}، عالجت ثلاث قضايا مختلفة، ـ الأولى: في قصة بئر، و الثانية: في قصة سلعة، و الثالثة: في قصة جرح .. و يمكن أن تأتي آلاف من القضايا هي عبارة عن قصص لها علاقة بالآية، سواء كانت علاقة سببية، أو علاقة تطبيقات للآية، و الواضح أنها اجتهادات في ربط الواقع بالنص، باعتبار النص ينطبق على هذا الواقع، و يفسره، و يطبق فيه،و في كل الحالات فهي عمليات اجتهادية قابلة للخطأ و الصواب، و إذا لم ينتبه الباحث إلى هذه المسألة يقع في خلط كبير.

و من الملاحظات المهمة في هذا الشأن الأخطاء التي وقع فيها المفسرون في الربط بين الآيات و الأحاديث مع إخراجها من سياقاتها القرآنية، و هذه بعض الأمثلة على ذلك (ستأتي في الحلقة الثانية إن شاء الله تعالى).اهـ

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير