تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قال: ((وهذه الآية بارعة الفصاحة، جمعت المعاني الكثيرة في الألفاظ اليسيرة، وكل كتاب الله كذلك، إلاَّ أنَّا بقصور أفهامنا يَبِين في بعضٍ لنا أكثر مما يبين في بعض)) (4).

وفي آية المخلفين الثلاثة، وهي قوله تعالى: (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)) (التوبة: 118)، قال: ((قوله: (ثم تاب عليهم ليتوبوا، لما كان هذا القول من تعديد نعمه بدأ ترتيبه بالجهة التي هي عن الله عز وجل؛ ليكون ذلك منبهًا على تلقي النعمة من عنده لا ربَّ غيرُه، ولو كان القول في تعديد الذنب لكان الابتداء بالجهة التي هي عن المذنب، كما قال تعالى: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُم) (الصف: 5)؛ ليكون هذا أشدَّ تقريرًا للذنب عليهم.

وهذا من فصاحة القرآن، وبديع نظمه، ومعجز اتساقه.

وبيان هذه الآية، ومواقع ألفاظها إنما يكمل مع مطالعة حديث الثلاثة الذين خلفوا في الكتب التي ذكرنا ... )) (5).

ـ اعتراضه على الأقوال التي يرى ضعفها.

ومن ذلك ما أورد في تفسير قوله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) (الأنعام: 1)، فقد أورد تفسيرات السلف فقال: ((وقال السدي والجمهور المفسرين: الظلمات: الليل، والنور: النهار.

وقالت فرقة: الظلمات: الكفر، والنور الإيمان.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا غير جيد؛ لأنه إخراجُ لفظٍ بيِّن في اللغة عن ظاهره الحقيقي إلى باطن = لغير ضرورة، وهذا هو طريق اللغز الذي برِئَ القرآن منه) (6).

ـ اختصاره لقصص الآي، وجمع ما روي فيها بإيجاز.

ـ اعتناؤه بالقراءات؛ متواترها وشاذها، واستفادته من أبي حاتم السجستاني.

ـ بيان الأحكام التي نصَّت عليها الآية، دون الاستطراد فيما لم تنص عليه.

بيان أحكام القرآن أحد المقاصد التي يمرُّ بها المفسر لا محالة، لكن تتمايز مناهجهم بالاختيار في الحكم بسبب اختلاف المذهب، وبالاستطرادات التي تخرج عن منطوق حكم الآية.

وقد كان ابن عطية مالكي المذهب، ولا شك أن هذا سيظهر على اختياراته الفقهية التي يذكرها.

ويلاحظ أنه لا يذكر أصحاب الأقوال، بل يبهمهم بقوله: قالت فرقة، أو قال بعض العلماء، أو غيرها من المصطلحات.

ولم يُقم كتابه على الاحتجاج الفقهي بل يكتفي بالحكم الذي نطقت به الآية، دون الاستطراد في مسائل تتعلق بهذا الحكم مما لم تنص عليه الآية، إلا في القليل النادر.

ومن أمثلة ذلك تفسيره لقوله تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأعراف: 204)، قال: (( ... فأما الاستماع والإنصات عن الكلام في الصلاة فإجماع.

وأما الإمساك والإنصات عن القراءة، فقالت فرقة: يمسك المأموم عن القراءة جملة، قرأ الإمام جهرًا أو سرًا.

وقالت فرقة: يقرأ المأموم إذا أسر الإمام، ويمسك إذا جهر.

وقالت فرقة: يمسك المأموم في جهر الإمام عن قراءة السورة، ويقرأ فاتحة الكتاب.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله:

ومع هذا القول أحاديث صحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهذه الآية واجبة الحكم في الصلاة أن ينصت عن الحديث وما عدا القراءة.

وواجبة الحكم أيضًا في الخطبة من السنة لا من هذه الآية.

ويجب من الآية الإنصات إذا قرأ الخطيب القرآن أثناء الخطبه.

وحكم هذه الآية في غير الصلاة على الندب؛ أعني: في نفس الإنصات والاستماع إذا سمع الإنسان قراءة كتاب الله عز وجل.

وأما ما تتضمنه الألفاظ وتعطيه من توقير القرآن وتعظيمه = فواجب في كل حالة.

والإنصات: السكوت. و» لعلكم «على ترجي البشر.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله:

ولم نستوعب اختلاف العلماء في القراءة خلف الإمام؛ إذ ألفاظ الآية لا تعرض لذلك، لكن لما عنَّ ذلك في ذكر السبب ذكرنا نبذة منه ... )) (7).

وقد كان يرد على بعض التفقه الذي لا يراه صوابًا، ومن ذلك:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير