تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

عنها سيبويه (أما ما كان (فِعالاً) … فإذا أردت أكثر العدد بنيته على (فُعُل) وذلك: حِمارٌ و حُمُر وخِمارٌ وخُمُر وإزارٌ وأُزُر …) ((11)) فأريد بهذا تصوير خوفهم وشدته، وكأنهم لهذا الخوف على حياتهم لا يقاتلونكم حتى يضعوا أكبر عددٍ ممكنٍ من الجدران ليقاتلوكم من خلفها، وهذا مصداق قوله تعالى: (ولتجدنهم أحرص الناسِ على حياةٍ) (البقرة: 96) أي أية حياة مهما كانت تافهة، للتنكير في حياة وكلا الآيتين عن اليهود.

4 - العدول عن مفردةٍ لأخرى لعدم الملاءمة: فقد يُعدَل عن لفظةٍ إلى أخرى مع أن السياق يتطلب الأولى إلا أنها تترك، ويؤتى بأخرى لعدم صلاحيتها لا من حيث تطلب السياق لها، ولكن من حيث المؤدى الأدبي لها قال تعالى) ليجزيَ الذين أساءوا بما عملوا ويجزيَ الذين أحسنوا بالحُسنى ((النجم: 31) مع (أن صحة المقابلة في هذا النظم أن يقال: ليجزيَ الذين أساءوا بالإساءة حتى تصح مقابلته بقوله (ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى) لكن منع ذلك التزام الأدب مع الله - سبحانه - في إسناد فعل الإساءة إليه فَعُدِلَ عن لفظة الإساءة الخاص إلى لفظٍ عامٍ يدخل فيه ذلك الخاص فيحصل المعنى المراد .. ) ((12)) ومن هذا الباب قوله تعالى:) يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعز منها الأذل ((المنافقون: 8) فقد كان السياق يتطلب التعيين أي ذكر الخارج والمُخرج ولكن عُدل عن هذا، وعُدِلَ أيضاً عن (العزيز، والذليل) إلى ما جاءت الآية به، وما ذلك إلا لعدم ملائمة هذه الألفاظ لأنها ستنسب الذلة إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فجيء بـ (الأعز والأذل)، وهذا ما يُعرف عند البلاغيين بالقول بالموجب فموجب هذا القول – كما يقول ابن أبي الاصبع – إخراج الرسول (صلى الله عليه وسلم) المنافقين منها لأنه الأعزُّ وهم الأذلون وقد كان ذلك، والدليل على ذلك تعقيب الله سبحانه في نفس الآية بقوله:) ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون (((13)) والدليل على هذا القراءتان التي جاءت الآية عليهما وهما: (لنخرجنَّ الأعزَّ منها الأذلَّ) أي: لنخرجنّ الأعزَّ إخراج الذليل ((14)) فالأعز مفعول والأذل حال ((15))، و (لَيُخْرَجنَّ الأعزَّ منها الأذلَّ) كأنك قلت: ليخرجن العزيز منها ذليلاً) ((16))، وعن الحسن أنه قال (ليس بتيهٍ ولكنه عزَة وتلا هذه الآية .. ) ((17))، هذا كله دون أن يؤتى بلفظة تُسيء إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) على الرغم من أنها حكاية قول.

وقد يعدل التعبير القرآني عن مفردةٍ لأخرى مع أن السياق يقتضي الأولى لأنها أدقُّ في الوصف غير أن الثانية أبلغ في التعبير كما في لفظتي (زوج وامرأة) قال تعالى ... أمرأة نوحٍ وامرأة لوطٍ كانتا تحت عبدين من عبادنا ... ) (التحريم: 10) وقوله تعالى: (امرأة فرعون ((التحريم: 11) فهي زوجه لكن عَدَلَ عن هذا اللفظ إلى امرأة، فكلمة (زوج) تأتي - كما تقول بنت الشاطيء - حيث تكون الزوجة هي مناط الموقف حِكمةً وآية أو تشريعاً وحكماً (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمة ((الروم: 21) فإذا تعطلت آيتها من السكن والمودة والرحمة بخيانة أو تباين في العقيدة فامرأة لا زوج ((18)) فقد ألغيت صفة الزوجية هنا كما ألغيت في وصف المرأة ذات العقم، لأنها ستكون معطلة عن هدف الزوجية وهو الإنجاب وهذه الملاحظة جديرة بالاهتمام وإن كانت غير مطردة في الاستخدام القرآني لتحقيق غايات تعبيرية أخرى غير هذه كما في قوله تعالى:) إنّ من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم ((التغابن: 14)، وهذا يُعيّن أن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم ... وهم من الكفار فاحذروهم فظهر أن هذه العداوة إنما للكفر .... ولا تكون بين المؤمنين فأزواجهم وأولادهم المؤمنون لا يكونون عدواً لهم) ((19)) فقد تعني هنا استخدام لفظ (أزواجكم) بدلاً من (نسائكم) لأن القصد هنا الإخبار عن قرب العلاقة وشدة الوشيجة الرابطة كالتي تكون بين المرء وزوجه وابنه، والدليل على هذا ذِكرُ لفظ (أولادكم) في حين نُزعت البنوة في قوله تعالى:) قال ربِ إن ابني من أهلي .... قال إنه ليس من أهلك إنه عملٌ غير صالح ... ((هود: 46).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير