تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الترادف: يقول العسكري: محالٌ أن يختلف اللفظان والمعنى واحد - في لفظة واحدة كما ظن كثيرٌ من النحويين واللغويين، وإنما سمعوا العرب تتكلم بذلك على طباعها وما في نفوسها من معانيها المختلفة وعلى ما جرت به عادتها وتعارفها ولم يعرف السامعون تلك العلل والفروق وظنوا الذي ظنوه وتأولوا عليهم ما لا يجوز في الحكم ((20))، ومن هنا انطلقت السيدة بنت الشاطيء فإنها لا تشغل بالترادف إلا حين يقال بتعدد الألفاظ للمعنى الواحد دون أن يرجع هذا الترادف إلى تعدد اللغات ودون أن يكون بين الألفاظ المقول بترادفها قرابة صوتية ((21))، فقد تكون اللفظتان اسمين لمسمى واحد فيقال بترادفهما غير أنهما يتباينان بالصفات، كما في (الإنسان والبشر) فإن الأول موضوع له باعتبار النسيان أو باعتبار أنه يؤنس والثاني باعتبار أنه بادي البشرة ((22))، وإذا كان هناك اختلاف كبير بين اللغويين والبيانيين حول الترادف نفياً وإثباتاً في اللغة فلا يجب أن يسحب هذا الخلاف إلى القرآن فالنص القرآني كان يستخدم المفردة استخداماً خاصاً متجاوزاً المعجمية مضيفاً إليها دلالةً جديدة من خلال الاستخدام الخاص، فكل لفظة (نعمة) مثلاً إنما هي لنعم الدنيا في القرآن على اختلاف أنواعها يطرد ذلك ولا يتخلف في مواضع استعمالها مفرداً وجمعاً أما صيغة النعيم فقد استخدمت بدلالة إسلامية خاصة بنعيم الآخرة يطرد هذا أيضاً في القرآن ولا يتخلف في كل آيات النعيم ((23)) لذلك ذهب بعض الباحثين إلى أنه مهما أمكن إبعاد فكرة الترادف عن الكلمات القرآنية فهو الأحق بأن يكون هو المنهج لدى تدبر القرآن، وهو الأقرب إلى الفهم الصحيح ولو كانت الكلمات داخلة في معنى كليَ واحد إلا أنه معنى عام وهو صالح لنِسب متفاوتة ((24)).

إذ يكمن في كل كلمة معنيان معنى مطابق ومعنى موحٍ، فالمعنى المطابق هو ذاك المسجل في المعاجم وإن معنى المطابقة يجعل الكلمة عاجزة عن أداء الوظيفة التي تسندها إليها الجملة ولكن المعنى الإيحائي يحتلَ مكان (معنى المطابقة) المعطل ((25))؛ لذلك نجد (المسدي) يعرف الأسلوب بأنه مجموع الطاقات الإيحائية في الخطاب الأدبي، من غير ما تفرقةٍ ما بين البنية والأسلوب ((26)) والقول بالترادف يُلغي الطاقات التعبيرية التي تمتلكها المفردة المختارة المعدول إليها عما يُسمى مرادفتها فلا مزية للاختيار عندئذٍ غير التفنن في أسلوب التعبير، وهو ما لا وجود له في القرآن للاستخدام القرآني الدقيق للمفردات ولأن القول بالترادف سيعني إلغاء هذا الإيحاء النابع من:

1 - الجذر المعجمي: كما في إشارة السيوطي إلى الفرق بين (الخوف والخشية) التي لا يكاد اللغوي يفرّق بينهما - كما يقول ذاكراً: أن الخشية أعلى من الخوف فهي مأخوذة من قولهم شجرة خشية أي يابسة، وهو فوات بالكلية، أما الخوف فهو من ناقة خوفا ((27)) أي بها داء وهو نقص وليس بفوات ولذلك خُصت الخشية بالله في قوله تعالى: (يخشون ربهم ويخافون سوءَ الحساب ... ) ((28)) وفُرِّقَ بين اللفظتين أيضاً بأن الخشية قد تكون من قوي لأنها من عظمةِ المختشى، أما الخوف فإنه من ضعف الخائف وإن كان المخوف أمراً يسيراً، ويدلُّ على ذلك أن الخاء والشين والياء تدل في تقاليبها على العظمة نحو شيخ للسيد الكبير وخيش لما غلظ من اللباس ... ((29)).

2 - الجرس الصوتي: وقد تقدم الكلام عن (نضح) و (نضخ) وقد فُرِّقَ بين اللفظتين لا تتغير فيهما إلا الحركة كما هو بين (ذِلّ، وذُلّ) ((30))، وفرق (أحمد مختار عمر) بين (أزّ وهزّ) ((31))، وقد تقدم الكثير من هذا ... ولا أدعي أن كل ما يقال في الفرق ما بين المفردتين بالحركة أو الحرف صحيح .. ولكن إذا كان هناك فرقٌ كبيرٌ بين المفردتين المختلفتين في حركة أو صوت واحد فكيف يكون الأمر في التي تختلف عن مرادفتها بجميع أصواتها والعجيب أن ابن جني وهو أكثر من دافع عن فكرة تعلق المعنى بأصوات المفردة يقول بالترادف في اللغة ((32)).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير