تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هذه الظاهرة - كما قيل - واضحة جدَّ الوضوح في القرآن وعميقة كل العمق في بنائه الفني إلا أن حديثهم عنها لم يتجاوز ذلك الإيقاع الظاهري ولم يرتق إلى إدراك التعدد في الأساليب الموسيقية وتناسق ذلك كله مع الجو الذي تطلق فيه هذه الموسيقى ووظيفتها التي تؤديها في كل سياق (6) فهذه الألفاظ (ينظر فيها تارة من حيث هي أبنية صوتية مادتها الحروف وصورتها الحركات والسكنات من غير نظر إلى دلالتها ... وتارة من حيث هي أداة لتصوير المعاني ونقلها من نفس المتكلم إلى نفس المخاطب بها .... ولا شك أنها هي أعظم الناحيتين أثراً في الإعجاز اللغوي الذي نحن بصدده إذ اللغات تتفاضل من حيث هي بيان أكثر من تفاضلها من حيث هي أجراس وأنغام) (7) وكل هذا ليس إلا صورة أخرى لما قاله الرافعي حين جعل الكلمة ثلاثة أصوات هي: صوت النفس والذي عرّفه بأنه: الصوت الموسيقي الذي يتكون من تأليف حروف الكلمة واجتماعها ومخارجها وحركاتها ومدّاتها وغناتها ... وصوت العقل وهو الصوت المعنوي الذي يختص بمعنى الكلمة (دلالتها) ومخاطبتها للعقل وصوت الحس: الذي هو اجتماع إيقاع حروف الكلمة وروعة معانيها، أو هو اجتماع صوت النفس وصوت العقل وعلى مقدار ما يكون في الكلام البليغ من هذا الصوت يكون فيه من روح البلاغة وصوت الحس هذا هو روح الإعجاز في القرآن الكريم (8) وبسببٍ من هذا كله جاءت الدعوة إلى دراسة جرس الألفاظ من أوائل الموضوعات التي نادى لها الشيخ أمين الخولي لبعث الحياة في البحث البلاغي (9) بعد أن (دارت هذه اللغة على ألسنة أعجمية لم يكن لها عهد بحروفها وبمخارج ألفاظها فتقعر الناطقون بها وجرى اللحن في كيانها ... ومن هنا صرّح العاجزون عن ضبط جرسها بإعلاء شأن المعنى .... ولا عبرة بالألفاظ ما دام الغاية هي إفهام السامع حاجة المتحدث) (10).

لذلك كان أول ما ينبغي أن يذكر بداية أنه لا يصح عند دراسة ما تحققه البنى التعبيرية من قيم أدائية (جمالية أو صوتية) أن تعزل عمّا تحققه البنى نفسها على مستوى الأداء الدلالي، ذلك أن الاستخدام الصوتي في القرآن لا يُعارض الجانب الدلالي إطلاقاً إن لم يكن مُبّرزاً له في الأعم الأغلب، وليس قولي هذا إلا متنفساً للولوج إلى التأكيد على أن الاختيار - وأقول الاختيار المنحصر هنا إلى حدٍّ كبيرٍ في اختيار المفردة - إنما يكون دلالياً عن طريق التوظيف الصوتي للمفردة، وليس لمسعى جمالي يحقق إثراءً لنغمية النص القائمة على نوعٍ من التوازن الصوتي، وإن لم يفتقر لهذا منضافاً إلى التواشج التام مع الأداء التعبيري وبكل بُناه من (مفردة، وجملة، ونص) النص الذي يمتاز بالإضافة إلى الموافقة التامة من أصواته لمعانيه الخاصة بالوحدة الصوتية القائمة على التوافق أو التقابل الصوتي كما سيبحث.

1 - تُختَار المفردة لكونها معبرة عن مدلولها بجرسها من خلال:

أ) بنية المفردة: قد تختار المفردة القرآنية لبنيتها الصرفية، فقد اقترنت بعض الأوزان الصرفية بدلالاتٍ خاصة من (ذلك أنك تجد المصادر الرباعية المضعفة تأتي للتكرير نحو الزعزعة والقلقلة والصلصلة ... ووجدتُ أيضاً (الفعلى) في المصادر والصفات إنما تأتي للسرعة نحو: البشَكى والجَمَزَى والولقى .... فجعلوا المثال المكرر للمعنى المكرر - أعني باب القلقة - والمثال الذي توالت حركاته للأفعال التي توالت الحركات فيها) ((11)) والتي (تتميز عن الثلاثي الأصلي بزيادة مقطع يضخم حجم الفعل ليقوي طاقة التعبير بحكاية أصوات الشيء أو تصوير حركته أو نوره أو أثره في النفس بالأصوات فهو بذلك متميز بإيقاعٍ ذاتي) ((12)) وهذا ما سُمِّي بـ (التنسيق المتصل في التكرير المعجل ورُمِزَ له بالآتي: أ + ب / أ + ب ((13)).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير