تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الآية دلالتها ليكون الجرس عامل تهديدٍ يأخذ على الكافر فرصة النظر والتفكير ولعل في هذا سبب آخر للعدول عن (لنأخذنّه) بالإضافة إلى اختلاف الدلالة بينهما، وهذا ما استشعره سيد قطب كما يبدو في قوله عن (ولنسفعن بالناصية): (صورة حسية للأخذ الشديد السريع) ((45)) فالأصوات (تابعة للمعاني فمتى قويت قويت ومتى ضعفت ضعفت ويكفيك من ذلك قولهم قَطَعَ وقطّع وكَسَرَ وكَسَّر زادوا في الصوت لزيادة المعنى واقتصدوا فيه لاقتصادهم فيه) ((46)).

أما بالنسبة لحركة الحرف في البنية فقد راعت العرب القدر اليسير من الأصوات على رأي ابن جني

فلو تأملنا لفظتي (سُعُر ونُذُر) في قوله تعالى: (ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنُذر) (القمر: 36) وقوله تعالى: (إن المجرمين في ضلالٍ وسُعُر) (القمر: 47) حيث عُدّت مثل هذه اللفظة ثقيلة مستكرهة ((48))، على أن الحركة وإن كانت ثقيلة في نفسها لسببٍ من أسباب الثقل إلا إنها متى ما استعملت في القرآن رأيت لها شأناً عجيباً فلفظة النذر السابقة جمع (نذير) الضمة ثقيلة فيها لتواليها على النون والذال معاً فضلاً عن جسأة هذا الحرف ونبوه في اللسان وخاصة إذا جاء فاصلة للكلام كما يقول الرافعي ويضيف لكنه جاء في القرآن على عكس ذلك فتأمل مواضع القلقلة في دال (لقد) وفي الطاء من (بطشتنا) وهذه الفتحات فيما وراء الطاء إلى واو (تماروا) مع الفصل بالمدَّ كأنها تثقيل لخفة التتابع في الفتحات إذا هي جرت على اللسان ليكون ثقل الضمة عليه مستحقاً بعد ... ثم ردد نظرك في الراء من (تماروا) فأنها ما جاءت إلا مساندةً لراء (النذر) حتى إذا انتهى اللسان إلى هذه انتهى إليها من مثلها فلا تجف عليه ولا تغلظ ولا تنبو فيه ويكمل الرافعي ثم أعجب لهذه الغنة التي سبقت الطاء في نون (أنذرهم) وفي ميمها والغنة الأخرى التي سبقت الذال في (النذر) ((49)) على أنه يجب إلا يُفهم من هذه النظرة الثاقبة للأستاذ الرافعي أن قوة هذا الاستخدام الصوتي للفظة قد اختفت وإنما سوّغت بحيث لا تظهر جسأة في الكلام ولا ثقلاً في السمع لأن الشيء يُقاس بما حوله، وفرق بين اختفاء ثقل الشيء وبين التهيئة له لأن سياق سورة القمر يتطلب مثل هذا الاستخدام (والحقيقة أن الخروج على القاعدة في سياق النظم لا ينقص من قيمة القاعدة لأن القاعدة تُعنى بالغالب في بناء اللغة، أما الشذوذ عنها فهو في حالة ثانية وهي حالة انتقال الألفاظ إلى الاستعمال التطبيقي في التعبير الأدبي أي وضع اللقطة ضمن سياق فني يخضع اللقطة إلى الكثير من المؤثرات التي منها المؤثرات الذوقية والنفسية) ((50)).

فالقرآن يضع حاجة السياق بالدرجة الأساس مستفيداً من كل ما تتيحه اللغة من وسائل تعبيرية قد لا يتخذ معيار (الأفصح) شرطاً في الاختيار ومن الظواهر الصوتية التي تُوظَف في التعبير القرآني مستفيدةً من كل إمكانات اللغة وشكلياتها ظاهرة الإدغام والتي جيء بها بصورةٍ أعطت للنص القرآني خصوصيةً في الاستعمال ففي (يشاقّ) يكون الإدغام وهو لغة تميم ((51)) طالما ذُكِرَ الله تعالى وحده فإذا ذُكِرَ معه الرسول صلى الله عليه وسلم فُكَّ الإدغام وهو لغة الحجاز ((52)) قال تعالى: (ذلك بأنهم شاقّوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب) (الأنفال: 13) وقال تعالى:

(ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى) (النساء: 115) وقال تعالى:

(ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقِّ الله فإن الله شديد العقاب) (الحشر: 4) ... وقد نبّه الدكتور فاضل السامرائي لهذا غير أنه أبعد في تعليل هذا الاستخدام حيث قال (ولعله وَحد الحرفين وأدغمهما في حرف واحد لأنه ذكر الله وحده وفكهما وأظهرهما لأنه ذكر الله والرسول فكانا اثنين) ((53))، وليس هذا موضع تفصيل توجيهه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير