تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أصواتها فـ (العين لا تأتلف مع الهاء إلا إذا كانتا مفصولتين مثل هرع وهلع وهطع أو تقدمت العين على الهاء ((26)) كما في الآية الكريمة فلو لم تتقدم العين على الهاء لم تأتلفا) ((27)) وذلك لثقلهما معاً مما يناسب سياق السورة الدّال على القوة والشدة.

وفي القرآن (كلمات شديدة الإيحاء قوية البعث لما تتضمنه من المعاني وهناك عدد كبير من ألفاظ تصور بحروفها .... ) ((28)) قال تعالى: (يومَ يكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش) (القارعة: 5 - 7) فالفراش هو الجراد الذي ينفرش ويركب بعضه بعضاً فإذا ثار لم يتجه إلى جهة واحدة ((29)) بل يتطاير من كل جانب ((30)) (فهو مبثوث وقد انتهت كلمة الفراش وكلمة المنفوش بالشين كما انتهت كلمة المبثوث بالثاء، والشين والثاء ((31)) من حروف التفشي والانتشار) ((32)) ولطالما تلمس (صاحب الظلال) هذا الأمر وقد كان (أفضل من فصل ما بين جرس اللفظ وظله والذي كثيراً ما تصوّر أنه واحد لأن الجرس خاص بالصوت والموسيقى أما الظلّ فهو استدعاء صورة المدلول الحسي) ((33)) من ذلك ما اشتقه القرآن ليوم القيامة من أوصاف (الصاخة) و (الطامة) فالصّاخّة لفظة تكاد تخرق صِماخ الأذن في ثقلها وعنف جرسها ... وضع هذه الألفاظ بجوار ذلك اللفظ المشرق الرشيق (تنفس) في قوله تعالى: (والصبح إذا تنفس) (التكوير: 18) تجد الإعجاز في اختيار الألفاظ لمواضعها ونهوض هذه الألفاظ برسم الصور على اختلافها ((34)) فهي ملائمة تماماً لرقة الصبح ويبدو ذلك في همس التاء والسين وذلاقة النون والفاء فاللفظة موحية بدلالتها وجرسها وظلها على هذه اليقظة التي شملت الطبيعة .. ((35))، وقد فُرِّق ما بين (…تفسحوا فافسحوا يفسح الله لكم) و (وإذا قيل انشزوا فانشزوا .. ) (المجادلة: 11) وإنما اختيرت لفظة (انشزوا) وجرسها الذي يدل على حركة القيام لأن الزاي أقوى من السين والشين أقوى من الفاء .. ((36)) وقديماً لاحظ ابن جني أن اختلاف الحرف الواحد في اللفظتين أو الحرفين ... يؤدي إلى اختلاف دقيق في المعنى المراد من اللفظ وإن دقة المعنى تتفق مع جرس الحرف المختار، فكأن هناك اختياراً مقصوداً للصوت ليؤدي المعنى المغاير لما يؤديه الصوت الأخر ((37)) واعتبر أن فيه وجهاً للحكمة المعجزة للدلالة على قوة الصنع ((38)).

جـ) حال الحروف: قد تكون المفردة ثقيلة من حيث بنيتها أو طبيعة أصواتها في غير سياقها غير أن علاقتها مع ما قبلها أو بعدها تجعل المفردة هي الأنسب في الاختيار داخل سياقها من ذلك قوله تعالى: (تلك إذن قسمةٌ ضيزى) (النجم: 22) وقد تعجب الرافعي من نظم هذه الكلمة الغريبة وأئتلافه على ما قبلها إذ هي مقطعان أحدهما مدٌّ ثقيل والآخر مدٌّ خفيف وقد جاءت عقب غنتين في (إذن) و (قسمة) وإحداهما خفيفة حادة والأخرى ثقيلة متفشية فكأنها بذلك ليست إلا مجاورة صوتيةً لتقطيعٍ موسيقي ((39)) فأية لفظة أخرى لها عين مفهومها في اللغة مثل ظالمة أو جائرة لا توفي المعنى المراد إيفاء تلك اللفظة القرآنية … من ثقل حرف الضاد المستعلي المفخم وإيحاء المدين المتقابلين إلى أسفل وإلى أعلى أعني الياء والألف ((40)) والذي رأى الرافعي في جرسهما ما يشبه حال المتهكم المستغرب حين يميل يده ورأسه ((41)) على أن هذا لا يعني أن كلمة

(الأخرى) و (إذن) في الآية زائدتان لمجرد الجرس النغمي فهما ضروريتان في السياق لنكت معنوية خاصة وتلك ميزة فنية أخرى أن تأتي اللفظة لتؤدي معنى في السياق وتؤدي تناسباً في الإيقاع دون أن يطغى هذا على ذاك أو يخضع النظم للضرورات ((42)).

ومن مناسبة الحرف لحال السياق قوله تعالى: (لئن لم ينتهِ لنسفعاً بالناصية) (العلق: 15) هكذا (لنسفعنْ) بذلك اللفظ الشديد المصور بجرسه لمعناه وإنه لأوقع من مرادفه لنأخذنَّه بشده ((43)) فإذا كان السياق يُراد به الشدة والغلظة والتهديد فَلِمَ لم يشدد النون في (لنسفعنْ) مع أن العرب إنما يزيدون في الصوت لزيادة المعنى ((44)) والجواب عن ذلك يبدو في قراءة الآية مرتلةً حيث يُلاحظ ما حققه السكون من اختزال زمني في قراءة الآية لا يتحقق فيها لو شدد بل لولّد إيقاعاً بطيئاً لا يتناسب مع هذا التهديد المقتضي للسرعة فناسب جرس

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير