تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يحدده فحسبُ الرسولُ (صلى الله عليه وسلم) الإعطاءُ الذي يرضيه وليس وراء الرضى مطمح ولا بعده غاية … والأليق بجلال الموقف أن يُكتفى فيه بالرضى على ما أراد البيان القرآني وهو فوق كل تحديد ووراء كل وصفٍ (7)، وفي التشكيل الأوّل قال تعالى: (ما ودّعك ربُّك وما قلى) (الضحى:3) حيث حُذِفَ الضمير العائد على الرسول (صلى الله عليه وسلم) في (قلى) إذ الأصل (قلاك)، وقد أضافت بنت الشاطيء إلى مذهب الزمخشري والطبري وأبي حيان، مِن أن الحذف للاختصار اكتفاءً بفهم السامع للمعنى إذ كان قد تقدم ذلك قوله: ما ودعك فَعُرِف أنّ المخاطب به النبي (صلى الله عليه وسلم) (8) سبباً ألطف وأدق وهو (تحاشي خطابه تعالى لحبيبه المصطفى في مقام الإيناس: (ما قلاك)؛ لما في (القلى) من الطرد والإبعاد وشدة البغض أمّا (التوديع) فلا شيء فيه من ذلك. بل لعل الحس اللغوي فيه يؤذن بالفراق (على كُرْهٍ) مع رجاء العودة) (9) وكان هذا الملحظ السبب في رفضها تعليل الحذف برعاية الفاصلة فقط إذ ليس من المقبول عندها أن يقوم البيان القرآني على اعتبار لفظي محض وإنما الحذف لمقتضى معنوي بلاغي يقوّيه الأداء اللفظي دون أن يكون الملحظ الشكلي هو الأصل لأن البيان القرآني لو كان مما يتعلق بمثل هذا لما عَدَلَ عن رعاية الفاصلة في آخر سورة الضحى (10)، (التشكيل الثالث): (وأما بنعمة ربك فحدث)، ولأي باحثٍ الحق في أن يسأل عن سبب مجيء الثاء فاصلةً هنا، علماً أن سورة (الضحى) لم يرد فيها كلها صوت الثاء إلا في هذا الموضع، بل إنّ الثاء لم يأتِ فاصلةً في جميع القرآن غير هذا الموضع، فلماذا عُدِلَ عن الراء في هذا الموضع وحده، وفي السعة أن يقال (وأمّا بنعمة ربِّك) فخبّر، ويمكن الإجابة عند ذلك بعدة أجوبة كلّها تؤكّد صحة هذا الاختيار وقصديته منها:

إنّ (خَبِّر) لو استبدلت - في غير القرآن - مكان (فحدّث) لكانت موافقةً من حيث كونها فاصلة لـ (فلا تقهر، وفلا تنهر) بالحرف لا بالصفة الصوتية لأن (فخبّر) – ساكنة الراء لغير الوقف مكسورٌ ما قبلها – ستكون مرققة لأن الكسرة لازمة غير عارضة متصلة بالراء في كلمتها وليس بعد الراء حرف استعلاء وهذه شروط ترقيق الراء الساكنة لغير الوقف بعد كسرٍ (11) في حين أن الراء في (تنهَرْ وتقهَر) مفخمة لوقوعها بعد الفتحة وهذا شرطها (12) كما أن اختلاف حركة ما قبل الراء مختلفة والراء ساكنة وقد عيب هذا في قافية الشعر عند أغلب العروضيين وسمَوه بـ (سناد التوجيه) وهو اختلاف حركة ما قبل الروي في القافية المقيدة بالسكون (13) وبالمقابل فإن صوت الثاء مما يوافق حاجة ودلالة السياق تماماً فهو من حروف التفشي (14) على أن السبب الدلالي هنا مهمٌ في هذا العدول فلا يصح ما يقال من ترادف مثل (حدِّث وخبَّر) فبينهما عدّة فروق كلُّها تحتم اختيار (فحدِّث) في هذا السياق مثل (15): إنّ الإخبار أو الخبر هو: القول الذي يصحُّ وصفه بالصدق والكذب، ويكون الإخبار به عن نفسك وعن غيرك … والحديث في الأصل هو ما تخبر به عن نفسك من غير أن تسنده إلى غيرك، والدليل على هذا أنه يُقال فلان يحدث عن نفسه … وهو حديث النفس ولا يقال يخبر عن نفسه ولا هو خبر النفس، ويجوز أن يُقال: إن الحديث ما كان خبرين فصاعداً إذا كان كلّ واحدٍ منهما متعلقاً بالآخر فقولنا: رأيت زيداً خبرٌ، ورأيت زيداً منطلقاً حديثٌ … وبهذا ندرك أنّ السر في تغير نظام الفواصل ناتج عن أن لهجة الحكم تقتضي أسلوباً موسيقياً غير أسلوب الاستعراض وتقتضي إيقاعاً رصيناً بدل إيقاع القصة الرخي المسترسل وكأنما لهذا السبب كان التغيير) (16).

مغايرة الفاصلة للقياس اللغوي:

1 - بالحذف: قال تعالى: (والليل إذا يسرِ) (الفجر: 4)، وقال تعالى: (وثمود الذين جابوا الصخر بالوادِ) (الفجر: 9) وقال تعالى: (حكمة بالغة فما تغني النذر) (القمر: 5).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير