تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فيلاحظ حذف حرف من بنية المفردة وبما يجعلها موافقة للفواصل السابقة، وقد استحسن الفراء هذا الحذف قائلاً: (وحذفها أحب إليّ لمشاكلتها رؤوس الآيات ولأن العرب قد تحذف الباء وتكتفي بكسر ما قبلها منها) (17)، وقد اشتهر هذا الرأي فيما بعد (لأن القاعدة عندهم إثبات ياء العلة في الفعل المضارع المرفوع وإثبات ياء الاسم المنقوص مجروراً ومرفوعاً إذا اقترن بـ: أل أو أضيف) (18).

وقد اعترضت بنت الشاطئ على هذا وردَّت هذا الرأي لأن القرآن الكريم لم يقتصر على حذفهما هنا في مقاطع الآيات ليسلَّم لهم القولُ بأنّ الحذف قُصِدَ به إلى رعاية الفواصل وإنما حُذِفت ياء المضارع المرفوع المعتل الأخر وواهُ أيضاً وياء المنقوص مضافاً ومعرفاً بأل في أواسط الجمل ودَرْج الكلام كالذي في الآيات الآتية (19): (ولَهُ الجوارِ المنشئاتُ في البحر كالأعلامِ) (الرحمن:24) و (فلا أقسِمُ بالخنس. الجوارِ الكنسِ) (التكوير: 15) وقد ردَ الدكتور محمود أحمد نحلة كلام السيدة بنت الشاطيء مع تأكيده على أنه يتفق معها ابتداءً على أن الفواصل تابعة للمعاني ذاكراً أنّ الفراء بريءٌ مما نسبت إليه السيدة الفاضلة ذلك أنّ الفراء إنّما كان يتخذ من رعاية الفاصلة وسيلةَ ترجيحٍ لبعض القراءات القرآنية (20)، وما ذكره صحيح فبنت الشاطيء عدّت القول السابق للفراء تصريحا بان ياء العلِة حذفت من (يسري) لمشاكلة رءوس الآيات (21) وإنّما قول الفّراء كاملاً (وقد قرأ القرّاءُ (يسري) بإثبات الياء و (يسرِ) بحذفها) ثم قال (وحذفها أحبُّ أليَّ لمشاكلتها رءوس الآيات .. ) (22) فكلامه إنّما كان في سياق المفاضلة بين قراءتين وهكذا فعل بين قراءتي (نخِرة) و (ناضِرة) إذ قال: (وناضرة أجود الوجهين في القراءة لأنّ الآيات بالألف …) (23) مع أنّ قراءة المصحف (قراءة حفص) (نخرة) الأمر الذي يعني أنّ الفراء كان يعتمد هذا في المفاضلة بين القراءتين لا توجيه قراءة المصحف، ويبدو أنّ الدكتور لم يتضح له تماما قول بنت الشاطيء (وقد يسبق إلى الظن أنّ الياء والواو حُذِفتا فيها للتخلص من التقائهما ساكنتين بساكنٍ بعدهما إلا أن نلتفت إلى آيات هود والبقرة والقمر والحرف فيها غير متلوٍ بحرفٍ ساكن) (24) فقد فهم الدكتور من هذا النصّ أنّ السيدة عائشة لا توافق على هذا التعليل (أي الحذف للتخلص من التقاء الساكنين) وعَدّ هذا الرأي مرفوضاً لأنّ الحذف في درج الكلام في بعض المواضع لا يعني تعميم الحكم في كل موضعٍ وبخاصة إذا كانت له علة أخرى ظاهرة ومقبولة من الوجهة اللغوية (25)، ولا أرى في كلام السيدة عائشة عدم موافقةٍ على الحذف للتخلص من التقاء الساكنين وإنما قالت (حذفت فيها) أي جميع الشواهد التي استقرتها بنت الشاطيء حسب منهجها فهي بقولها إنما رفضت أن يكون الحذف تخلصاً من التقاء الساكنين عِلةً لجميع ما حُذِف من شواهد.

وإذا كان أغلب الدارسين للتعبير القرآني قد توقفوا عند مثل قوله تعالى: (والليلِ إذا يِسرِ) دون ذكرِ علةٍ لهذا الحذفِ غير ما سبق من رعايةٍ للفواصل، فقد قدَّم الدكتور إبراهيم السامرائي تعليلاً دقيقاً لهذا الحذف مداره العناية بطول الآية ومشاكلتها في الطولِ لبقية الآيات التي قبلها سّماه (بديع القرآن) فـ (جملة هذه العناية بطول الآية واستبدال بعضِ الكلم ببعض مقصود لما يؤدي إليه من نظامٍ حسنٍ هو أسلوب (بديع القرآن)) فالحذف عنده هنا لا يجوز إلا في مقامٍ يستدعيه ضربٌ من المشاكلة أو التناسب كما في (يسرٍ) فبالإضافة إلى رعاية الفواصلِ القائمة على الراء المكسور بكسرة طبيعية تأبى أن تطول الكسرة بعد الراء في الفعل فيكون منها المدّ الطويل بالياء، وفي ذلك مُراعاة لطول الفِقَر التي تضمنتها الآيات ولما كانت الياء تخلُّ بهذا الطويل المقدّر المقيس حُذِفت مشاكلةً وتناسباً ومثل هذا حذف ياء الإضافة في قوله تعالى: (فكيف كان عذابي ونُذُر) (القمر: 20) وحذف المفعول كما في قوله تعالى: (ما ودعك ربُّك وما قلى) (الضحى: 3) (26).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير