تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[أبو علي]ــــــــ[17 Feb 2009, 11:22 ص]ـ

الحمد لله العزيز الحكيم

يقول خالق الناس والعليم بنفوسهم وطباعهم: وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ. هذه حقيقة تعكس واقع طباع الناس في أي مكان وأي زمان، مثلا: لو نشرت جريدة خبرا حتى ولو كان نادرا وقوعه فأن أكثر القراء أو كلهم تقريبا سيظنون أن الخبر صحيح باعتبار أن الجريدة لا تنشر إلا الحقيقة، إذن فتصديق الخبر مبني على الظن، والظن قد يصيب وقد يخطئ، فقد تكذب الجريدة في اليوم التالي الخبر السابق باعتباره كان كذبة فاتح أبريل، أو أن مصدرهم الموثوق تبين أنه لم يكن متأكدا من صحة الخبر.

وقد يطلق أحد إشاعة كاذبة فلا يصدقها إلا القليل، ثم مع مرور الزمن تنتشر بين الناس فيكثر مصدقوها فتكتسب حصانة وشرعية عندهم

مثلا: بعد انتهاء مدة رسالة المسيح عليه السلام روج أحدهم إشاعة تزعم أن المسيح هو الإله تجسد ليقتل صلبا ليخلص البشرية من الخطيئة، لم يصدق وقتها هذه الإشاعة إلا قلة من الناس لكنها بعد جيلين أو ثلاثة عمت كل النصارى، وأصبح من يكذب ألوهية المسيح وعقيدة الفداء يعتبرا كافرا.

ولماذا نذهب بعيدا في التاريخ فإشاعة ظهور صورة صدام حسين على القمر ما زالت طازجة على اليوتوب ولها أنصار يصدقونها ويدافعون عن صحتها، لو كان صدام هذا زعيما دينيا أو شيخ طريقة لأصبحت إشاعة ظهوره على القمر بعد قرن أو قرنين حقيقة عند أتباعه ولتعددت الروايات واعتبرت صحيحة متفق عليها. فإذا جاءهم أحد ليقول لهم إنكم تتبعون الظن الذي لا يغني من الحق شيئا، فإن الرد المتوقع هو الاتهام بالشذوذ عن الإجماع ومخالفة جمهور الأمة وما كان عليه السلف.

هذا ليس ردا علميا، الرد العلمي هو الذي يتضمن الحجة التي تستيقنها النفوس، فالظن لا تطمئن إليه النفوس.

هذه أمثلة بسيطة من الواقع قديما وحديثا اتضح لنا بها أن أكثر الناس يتبعون الظن، وأن الأقلية فقط هم الذين قد يكونوا انتبهوا إلى بطلانه.

إذن فعلينا أن نأخذ في الحسبان وفي الاعتبار الآية السابقة إذا واجهتنا مسألة يزعم أكثر الناس صحتها لنتأكد هل تصديقهم لها مبني على الظن أم على العلم.

مسألة انشقاق القمر هل اتبع الناس الظن في تصديقها أم اتبعوا اليقين؟

إن كانوا قد اتبعوا العلم فأين أدلتهم من الكتاب والحكمة؟

لا توجد أدلة لا من الكتاب ولا من الحكمة سوى أنها وصلتهم خبرا، والخبر يحتمل الصدق ويحتمل الكذب.

إذن فأكثر الناس في هذه القضية اتبعوا الظن، والظن كما تقول الآية لا يغني من الحق شيئا، فلنبحث عن الحق في الكتاب والحكمة،

إن كان في صالحهم اتبعناه، وإن لم يكن نخالفهم ولو اعتبرونا شواذا فالآية السابقة تثبت أن الحق قد يكون مع الأقلية.

وجدنا في الكتاب دليلا قويا ينفي انشقاقه في الماضي إلا أنهم لم يلتفتوا إليه ولم يعيروه اهتمامهم وهو قوله تعالى:

وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا.

هذه الآية وحدها كافية لأقسم بالله العزيز الحكيم أن الحكيم لا يتراجع عن أقواله، فإذا قال لن يرسل فإنه لن يرسل أبدا آية حسية لأهل مكة فيكذبوا بها كما كذب الأولون.

وفي الكتاب وجدنا في سورة القمر تيسيرا لبيان حقيقة هذه المسألة، الله تعالى حكيم يضع الأشياء في مواضعها التي ينبغي أن تكون فيها، فليس صدفة أو عبثا أن يأتي ذكر انشقاق القمر بعد ذكر نجم ثاقب هوى إلا أن يكون تيسيرا لعلم الأسباب، وهو ما أثبتته السورة (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)، وليس صدفة أو عبثا أن يأتي ذكر تأثير انشقاق القمر على الأرض مرتبا ترتيبا محكما مطابقا لما يمكن وقوعه فعلا في حالة لو انشق القمر بالأسباب.

إذن فذكر هذه الكوارث التي حلت بقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط ليست تكرارا لقصص سبق أن ذكرها القرآن في سور أخرى بل هي تيسيرا

لعلم حقيقة تبعات انشقاق القمر وبيانها: ((وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير