تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وجدنا ذلك العلم والبيان الذي استفدناه من سورة القمر والذي حكم في ما نحن فيه مختلفون قد ذكره القرآن في الآيات الأربع الأولى من سورة الرحمن التي تلت سورة القمر.

ما الحكمة من تذكيرنا بتيسير القرآن وتأكيد هذا التيسير 4 مرات في سورة القمر؟

تأكيد التيسير يفيد بأن إدراك حقيقة انشقاق القمر متيسر حصرا في هذه السورة، فالذي يزعم أنه سييسر لك معرفة حقيقة انشقاق القمر من مصدر آخر غير القرآن فزعمه باطل، مثلا:

نويت أن أسافر لأزور أخي الذي يسكن في مدينة أخرى فالتقيت بأحد أقاربي في أول الطريق فأوقفني وقال لي: انهار السد المائي والطريق مقطوعة.

العبارة واضحة لا تحتاج إلى زيادة توضيح أو تذكير، فالطريق مقطوعة بسبب مياه السد المنهار، أما إذا لاحظ قريبي أني لم ألق بالا لنصيحته أو أخذت برأي مرافقي الذي لم يصدقه فإن قريبي سيذكرني بنصيحته ليبرئ ذمته فيقول: تذكر أني نصحتك ويسرت لك معرفة الحقيقة لتكون على علم وبينة من الأمر.

إذن فالتذكير لا يؤكد ابتداء إلا في حالة الشك وعدم الاطمئنان لصحة الخبر واحتمال تصديق نقيضه.

كذلك قال تعالى: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، وأتى بسورة بعدها استهلها بقوله: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ.).

ترتيب واضح يتبين منه أن القمر سينشق بسبب نجم يهوي، لا يحتاج إلى زيادة في التوضيح،لو أجمع المسلمون على أن القمر سينشق قبل قيام الساعة بسبب النجم الثاقب الذي يهوي لما احتاجوا إلى تذكير بقوله: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ ... ) لكنه تعالى علم أن من الناس من سيزعم أن انشقاق القمر لا علاقة له بالنجم الذي يهوي وأنه انشق لأهل مكة لذلك كان من الحكمة أن يذكرنا بأنه يسر لنا القرآن لنعلم منه وحده كيفية انشقاق القمر وبيانها. فهو تبيان لكل شيء.

إن تبين لأحد في سورة القمر علم وبيان يثبت انشقاق القمر في العهد النبوي فليأت به مشكورا.

أما الآية: وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) هذه جملة شرطية لا تفيد أنهم رأوا انشقاق القمر فأعرضوا بل تفيد استمرار حال الكافرين إلى يوم القيامة، مثل قوله تعالى: وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ).

هل يَفهم من هذه الآية أن هؤلاء رأوا بالفعل كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا فقالوا عنه سَحَابٌ مَرْكُومٌ؟ أم هي إخبار بما سيقولون إن رأوا؟

بعض الناس خدعوا بصورة للقمر التقطتها وكالة ناسا، صورة وكالة ناسا التي يبدو فيها جدول أو وادي كما أسموه بطول 300 كلم تقريبا، ليس ذلك الجدول هو الوحيد الذي صورته كاميراتهم بل عدة جداول متعامدة ومتعاكسة، منها ما هو في القطبين، وفي مناطق أخرى من القمر، تلك تضاريس قمرية لا علاقة لها بانشقاق للقمر، لو كان نهر المسيسبي جافا لبدا من الفضاء أكثر وأطول من جدول القمر الذي صورته ناسا، فهل إذا رأينا صورة ذلك على الأرض نقول إن الأرض هي الأخرى انشقت في الماضي!!

وكالة ناسا سمتها جداول Rilles ولم تسمها شقوقا.

إذا كانت رسالة الإسلام قد جاءت لتعلمنا الكتاب والحكمة فإن لكل علم اختبار، والاختبار يأتي في مادة الكتاب والحكمة، فيأتي الاختبار عبارة عن باطل يناقض الكتاب والحكمة زاعما أنه الحق،

تلك هي سنة الله، يختبر الناس فيما آتاهم، ونفس الاختبار الذي تعرض له آدم يعيد نفسه كلما بعث الله رسولا، وعلينا أن نتعلم من أخطاء الأمم السابقة فلا نتبع سننهم.

إذن فأنا أشذ عن الجمهور الذين يثبتون انشقاق القمر لأهل مكة لأن الله لم يثبت في القرآن أن الحق مع الأكثرية بل أثبت أن أكثر الناس يتبعون الظن.

كلام طويل لا طائل من ورائه، وهو مبني على أصل فاسد، وهو أن أخبار الآحاد لا تفيد العلم.

قال الشيخ الدكتور عبدالرحمن المحمود: (حجية خبر الآحاد في العقيدة إذا صح، وهذا من المعالم الرئيسة لمنهج السلف، والقول بأن أخبار الآحاد لا تفيد العلم ومن ثم فلا يحتج بها في العقيدة بدعة كبرى تلقفها أو أحدثها المعتزلة

ولكن من المؤسف أن كثيرا من العلماء ممن ينتسبون إلى السنة- وخاصة في كتبهم في أصول الفقه- ظنوا أنها لا تفيد العلم وإنما تفيد الظن، وانتشرت هذه المقالة بنسبة القول بها إلى الجمهور، ومما يلاحظ أن كثيرا ممن ألف في أصول الفقه هم، إما من المعتزلة أو الأشاعرة أو الماتريدية، فأدخل هؤلاء هذه المسألة وصاروا يذكرون فيها أن أخبار الآحاد لا تفيد إلا الظن فيحتج بها في الأمور العملية من الأحكام لا العلمية، ويقصدون بها أمور العقائد بينما لو تتبعنا نصوص السلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم لوجدنا الإجماع منهم- تقريبا- على عدم التفريق في أخبار الآحاد بين الأحكام والعقائد،

ولذا يحسن هنا أن نذكر قصة إسحاق بن راهويه مع عبد الله بن طاهر، فقد روى عن إسحاق بن راهويه قال: " دخلت على عبد الله بن طاهر، فقال لي: يا أبا يعقوب، تقول: إن الله ينزل كل ليلة؟، فقلت: أيها الأمير، إن الله تعالى بعث إلينا نبيا نُقل إلينا عنه أخبار، بها نحلل الدماء وبها نحرم، وبها نحلل الفروج وبها نحرم، وبها نبيح الأموال وبها نحرم، فإن صح ذا صح ذاك، وإن بطل ذا بطل ذاك، قال: فأمسك عبد الله ".

هذا مذهب السلف ومنهجهم لم يؤثر عن أحد منهم ممن يعتد بقوله إذا ورد عليه حديث صح عنده ثبوته أن رد ما دل عليه من أمور العقيدة بأنه خبر آحاد- وليس هذا موضع استقصاء هذه المسألة المهمة، وإنما الغرض الإشارة المجملة.)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير