تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد يعدل التعبير القرآني عن بنية وصف إلى بنية وصف آخر تحقق اتساعاً دلالياً قال تعالى: (وهذا البلد الأمين) (التين: 3) فلفظ الأمين على وجهين أحدهما: أن يكون (الأمين) من الأمن فيكون (فعيل) بمعنى (فاعل) كعليم بمعنى عالم.

والثاني: أن يكون (الأمين) بمعنى المؤمن أي يؤمِّن من يدخله على ما قال تعالى: (ومن دَخله كان آمناً) (آل عمران: 97) (15). وقال تعالى: (وعندنا كتابٌ حفيظ) (ق: 4) فـ (حفيظ) بمعنى (محفوظ من الشياطين ومن التغير وهو اللوح المحفوظ أو حافظ لما أودعه وكتب فيه) (16) فإذا كانت بعض الصيغ تحول من (فعيل) إلى (مفعول) أو (فاعل) فإن صيغة (فعيل) ربما تحتمل في آن واحد أن تكون بمعنى فاعل وبمعنى مفعول (17) ومن ذلك قوله تعالى: (ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير) (الملك: 4) إذ يصح أن يكون (حسير) بمعنى (حاسر) وأن يكون بمعنى (محسور) وقوله تعالى: (كل نفسٍ بما كسبت رهينة) (الطور: 21) فصح أن يكون (فعيل) بمعنى (فاعل) أي ثابتة مقيمة وقيل بمعنى (مفعول) أي: كل نفس مقامة في جزاء ما قدم من عمله ... (وهذا الإجمال مقصود لتذهب إفهام السامعين كلَّ مذهب ممكن فتكثر خطور المعاني في الأذهان وتتكرر الموعظة والعبرة باعتبار وقع كل معنى في نفس له فيها أشد وقع وذلك من وفرة المعاني مع إيجاز الألفاظ) (18).

ثانياً: اختلاف الاسم إفراداً وتثنية:

قيل إن العرب قد أوقعتا الاثنين موقع الواحد (19)، كما في قوله تعالى: (ألقيا في جهنم كل كفار عنيد) (ق: 24) وقد قال ابن تيميه عن هذا: إنه لا أصل له وإنه ممنوع (20)، ومن ذلك قوله تعالى: (ولمن خاف مقام ربه جنتان) (الرحمن: 66) وما قاله ابن تيميه صحيح لأنّ القول الأول (فضلاً عمّا فيه من تصحيح بمماثلة القرآن للشعر يمس قضية أخطر من ذلك إذ يؤدي إلى القول بمخالفة التعبير القرآن للحقيقة لأنه يقول (جنتان) فيثني، والحاصل أنها جنة واحدة) (21)، ومثل هذا القول لم يُرْضَ في الشعر فكيف في القرآن قال لبيد (22):

نحن بني أم البنين الأربعه المطعمون الجفنة المدعدعه

قيل: هم خمسة فجعلهم للقافية أربعة (23)، وقيل لوزن الشعر (24) وردّ صاحب الخزانة هذا ونسبه إلى الفراء وقال عنه: هو قول فارغ (25) وقال السهيلي: (إنما قال الأربعة وهم خمسة؛ لأن أباه ربيعة قد مات قبل ذلك لا كما قال بعض الناس وهو قول يعزى إلى الفراء أنه قال ... من أجل القوافي فيقال له: لا يجوز للشاعر أن يلحن لإقامة وزن الشعر، فكيف بأن يكذب لإقامة الوزن ... ) (26)، ولم تخرج أقوال المفسرين المحدثين في مثل: (ألقيا في جهنم ... ) عن أقوال السابقين، فقد قيل تثنية الفاعل لتثنية الفعل والمعنى: ألق ألق للتأكيد (27)، وقيل إنه خطاب للسائق والشهيد (28) وقيل: إن الألف في (ألقيا) بدلٌ من النون؛ إجراءً للوصل مجرى الوقف (29) يؤيده قراءة الحسن (ألقينْ) بالنون الخفيفة (30) ... وكذلك في قوله تعالى: (ولمن خاف مقام ربه جنتان)، قيل: الخطاب للثقلين فكأنه لكل طائفتين منكما جنتان جنة للخائف الإنسي وجنة للخائف الجني (31)، وقيل بستانان من بساتين الجنة (32)، وقيل: جنة لفعل الطاعات وجنة لترك المعاصي؛ لأن التكليف دائر عليهما (33)، وقيل: جنة من ذهب وجنة من فضة (34) ... الخ (35)، وقد يبدو للوهلة الأولى تعارض المفسرين بينهم في تفسير هذه الآية إلا (أن طبيعة هذا (الميكانزم) (36) اللغوي للمثنى أنه يسمح بأكثر من تفسير له ولا يقيده بتفسير واحد ... فهذا كله تُفسَّر فيه صيغة التثنية بالحرف بصيغةٍ من التثنية بالعطف، وتعبِّر التثنية بالعطف فيه عن نفسها بأمثلة متعددة ... وهذا كله يشهد على قابلية الصيغة لصور متعددة من التعبير وأنَّ هذه الصور إنما هي في سبيل إشباع المبدأ الفكري أو الصيغة ... ويدل على أن النشاط التعبيري إنما ينهض بحفظ الروح الثقافي الكامن وراء التعبير) (37).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير