تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

محدد السبب فهو الظلم المعين الذي يصفه المظلوم موجها إلى شخص بذاته هو الذي وقع منه الظلم عندئذ يكون الخير الذي يتحقق بهذا الجهر مبررا له ; ويكون تحقيق العدل والنصفة هو الهدف لا مطلق التشهير إن الإسلام يحمي سمعة الناس ما لم يظلموا فإذا ظلموا لم يستحقوا هذه الحماية ; وأذن للمظلوم أن يجهر بكلمة السوء في ظالمه ; وكان هذا هو الاستثناء الوحيد من كف الألسنة عن كلمة السوء وهكذا يوفق الإسلام بين حرصه على العدل الذي لا يطيق معه الظلم وحرصه على الأخلاق الذي لا يطيق معه خدشا للحياء النفسي والاجتماعي ويعقب السياق القرآني على ذلك البيان هذا التعقيب الموحي وكان الله سميعا عليمًا ليربط الأمر في النهاية بالله بعد ما ربطه في البداية بحب الله وكرهه لا يحب الله الجهر بالسوء وليشعر القلب البشري أن مرد تقدير النية والباعث وتقدير القول والاتهام لله السميع لما يقال العليم بما وراءه مما تنظوي عليه الصدور ثم لا يقف السياق القرآني عند الحد السلبي في النهي عن الجهر بالسوء ; إنما يوجه إلى الخير الإيجابي عامة ; ويوجه إلى العفو عن السوء ; ويلوح بصفة الله سبحانه في العفو وهو قادر على الأخذ ليتخلق المؤمنون بأخلاق الله سبحانه فيما يملكون وما يستطيعون إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرًا وهكذا يرتفع المنهج التربوي بالنفس المؤمنة والجماعة المسلمة درجة أخرى في أول درجة يحدثهم عن كراهة الله سبحانه للجهر بالسوء ويرخص لمن وقع عليه الظلم أن ينتصف أو يطلب النصف بالجهر بالسوء فيمن ظلمه ومما وقع عليه من الظلم وفي الدرجة الثانية يرتفع بهم جيمعا إلى فعل الخير ; ويرتفع بالنفس التي ظلمت وهي تملك أن تنتصف من الظلم بالجهر أن تعفو وتصفح عن مقدرة فلا عفو بغير مقدرة فيرتفع على الرغبة في الانتصاف إلى الرغبة في السماحة ; وهي أرفع وأصفى عندئذ يشيع الخير في المجتمع المسلم إذا أبدوه ويؤدي دوره في تربية النفوس وتزكيتها إذا أخفوه فالخير طيب في السر طيب في العلن وعندئذ يشيع العفو بين الناس فلا يكون للجهر بالسوء مجال على أن يكون عفو القادر الذي يصدر عن سماحة النفس لا عن مذلة العجز ; وعلى أن يكون تخلقا بأخلاق الله الذي يقدر ويعفو فإن الله كان عفوا قديرًا بعد ذلك يأخذ السياق في جولة مع الذين أوتوا الكتاب بصفة عامة ثم ينتقل منها إلى اليهود في شوط وإلى النصارى في الشوط الآخر واليهود يجهرون بالسوء إفكا وبهتانا على مريم وعلى عيسى ويأتي ذكر هذا الجهر في ثنايا الجولة ; فترتبط هذه الجولة بذلك البيان الذي تتضمنة الآيتان السابقتان في السياق والجولة كلها طرف من المعركة التي خاضها القرآن مع أعداء الجماعة المسلمة في المدينة والتي سلفت منها في هذه السورة وفي سورتي البقرة وآل عمران أطراف أخرى فنأخذ في استعراضها هنا كما وردت في السياق القرآني

الدرس الثاني: كفر من فرقوا بين الرسل واشتراط الإيمان بهم جميعا.

(إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيمًا).

لقد كان اليهود يدعون الإيمان بأنبيائهم ; وينكرون رسالة عيسى ورسالة محمد ; كما كان النصارى يقفون بإيمانهم عند عيسى فضلا عن تأليهه وينكرون رسالة محمد كذلك وكان القرآن ينكر على هؤلاء وهؤلاء ; ويقرر التصور الإسلامي الشامل الكامل عن الإيمان بالله ورسوله ; بدون تفريق بين الله ورسله ; وبدون تفريق كذلك بين رسله جميعا وبهذا الشمول كان الإسلام هو الدين الذي لا يقبل الله من الناس غيره لأنه هو الذي يتفق مع وحدانية الله ; ومقتضيات هذه الوحدانية إن التوحيد المطلق لله سبحانه يقتضي توحيد دينه الذي أرسل به الرسل للبشر وتوحيد رسله الذين حملوا هذه الأمانة للناس وكل كفر بوحدة الرسل أو وحدة الرسالة هو كفر بوحدانية الله في الحقيقة ; وسوء تصور لمقتضيات هذه الوحدانية فدين الله للبشر ومنهجه للناس هو هو لا يتغير في أساسه كما أنه لا يتغير في مصدره لذلك عبر السياق هنا عمن يريدون التفرقة بين الله ورسله بأن يؤمنوا بالله ويكفروا بالرسل وعمن يريدون

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير