تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مدى التاريخ ; ولما جعل حجته على عباده هي رسالة الرسل إليهم ; وتبليغهم عن ربهم ; ولما جعل حجة الناس عنده سبحانه هي عدم مجيء الرسل إليهم لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ولكن لما علم الله سبحانه أن العقل الذي آتاه للإنسان أداة قاصرة بذاتها عن الوصول إلى الهدى بغير توجيه من الرسالة وعون وضبط وقاصرة كذلك عن رسم منهج للحياة الإنسانية يحقق المصلحة الصحيحة لهذه الحياة ; وينجي صاحبه من سوء المآل في الدنيا والآخرة لما علم الله سبحانه هذا شاءت حكمته وشاءت رحمته أن يبعث للناس بالرسل وألا يؤاخذ الناس إلا بعد الرسالة والتبليغ وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا وهذه تكاد تكون إحدى البديهيات التي تبرز من هذا النص القرآني فإن لم تكن بديهية فهي إحدى المقتضيات الحتمية إذن ما هي وظيفة هذا العقل البشري ; وما هو دوره في قضية الإيمان والهدى ; وفي قضية منهج الحياة ونظامها إن دور هذا العقل أن يتلقى عن الرسالة ; ووظيفته أن يفهم ما يتلقاه عن الرسول ومهمة الرسول أن يبلغ ويبين ويستنقذ الفطرة الإنسانية مما يرين عليها من الركام وينبه العقل الإنساني إلى تدبر دلائل الهدى وموحيات الإيمان في الأنفس والآفاق ; وأن يرسم له منهج التلقي الصحيح ومنهج النظر الصحيح ; وأن يقيم له القاعدة التي ينهض عليها منهج الحياة العملية المؤدي إلى خير الدنيا والآخرة وليس دور العقل أن يكون حاكما على الدين ومقرراته من حيث الصحة والبطلان والقبول أو الرفض بعد أن يتأكد من صحة صدورها عن الله ; وبعد أن يفهم المقصود بها أي المدلولات اللغوية والاصطلاحية للنص ولو كان له أن يقبلها أو يرفضها بعد إدراك مدلولها لأنه هو لا يوافق على هذا المدلول أو لا يريد أن يستجيب له ما استحق العقاب من الله على الكفر بعد البيان فهو إذن ملزم بقبول مقررات الدين متى بلغت إليه عن طريق صحيح ومتى فهم عقله ما المقصود بها وما المراد منها إن هذه الرسالة تخاطب العقل بمعنى أنها توقظه وتوجهه وتقيم له منهج النظر الصحيح لا بمعنى أنه هو الذي يحكم بصحتها أو بطلانها وبقبولها أو رفضها ومتى ثبت النص كان هو الحكم ; وكان على العقل البشري أن يقبله ويطيعه وينفذه ; سواء كان مدلوله مألوفا له أو غريبا عليه إن دور العقل في هذا الصدد هو أن يفهم ما الذي يعنيه النص وما مدلوله الذي يعطيه حسب معاني العبارة في اللغة والاصطلاح وعند هذا الحد ينتهي دوره إن المدلول الصحيح للنص لا يقبل البطلان أو الرفض بحكم من هذا العقل فهذا النص من عند الله والعقل ليس إلها يحكم بالصحة أو البطلان وبالقبول أو الرفض لما جاء من عند الله وعند هذه النقطة الدقيقة يقع خلط كثير سواء ممن يريدون تأليه العقل البشري فيجعلونه هو الحكم في صحة أو بطلان المقررات الدينية الصحيحة أو ممن يريدون إلغاء العقل ونفي دوره في الإيمان والهدى والطريق الوسط الصحيح هو الذي بيناه هنا من أن الرسالة تخاطب العقل ليدرك مقرراتها ; وترسم له المنهج الصحيح للنظر في هذه المقررات وفي شؤون الحياة كلها فإذا أدرك مقرراتها أي إذا فهم ماذا يعني النص لم يعد أمامه إلا التصديق والطاعة والتنفيذ فهي لا تكلف الإنسان العمل بها سواء فهمها أم لم يفهمها وهي كذلك لا تبيح له مناقشة مقرراتها متى أدرك هذه المقررات وفق مفهوم نصوصها مناقشتها ليقبلها أو يرفضها ليحكم بصحتها أو خطئها وقد علم أنها جاءته من عند الله الذي لا يقص إلا الحق ولا يأمر إلا بالخير والمنهج الصحيح في التلقي عن الله هو ألا يواجه العقل مقررات الدين الصحيحة بعد أن يدرك المقصود بها بمقررات له سابقة عليها ; كونها لنفسه من مقولاته المنطقية أو من ملاحظاته المحدودة ; أو من تجاربه الناقصة إنما المنهج الصحيح أن يتلقى النصوص الصحيحة ويكون منها مقرراته هو فهي أصح من مقرراته الذاتية ; ومنهجها أقوم من منهجه الذاتي قبل أن يضبط بموازين النظر الدينية الصحيحة ومن ثم لا يحاكم العقل مقررات الدين متى صح عنده أنها من الله إلى أية مقررات أخرى من صنعه الخاص إن العقل ليس إلها ليحاكم بمقرراته الخاصة مقررات الله إن له أن يعارض مفهوما عقليا بشريا للنص بمفهوم عقلي بشري آخر له هذا مجاله ولا حرج عليه في هذا ولا حجر ما دام هنالك من الأصول الصحيحة مجال للتأول والأفهام المتعددة وحرية النظر على أصوله

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير