تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويستطرد السياق في مواجهة أهل الكتاب واليهود منهم في هذا الموضع خاصة وموقفهم من رسالة محمد ص وزعمهم أن الله لم يرسله وتفريقهم بين الرسل وتعنتهم وهم يطلبون أمارة على رسالته كتابا ينزله عليهم من السماء فيقرر أن الوحي للرسول ليس بدعا وليس غريبا فهو سنة الله في إرسال الرسل جميعا من عهد نوح إلى عهد محمد وكلهم رسل أرسلوا للتبشير والإنذار ; اقتضت هذا رحمة الله بعبادة وأخذه الحجة عليهم وإنذاره لهم قبل يوم الحساب وكلهم جاءوا بوحي واحد لهدف واحد ; فالتفرقة بينهم تعنت لا يستند إلى دليل وإذا أنكروا هم وتعنتوا فإن الله يشهد وكفى به شاهدا والملائكة يشهدون إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيمًا فهو إذن موكب واحد يتراءى على طريق التاريخ البشري الموصول ورسالة واحدة بهدى واحد للإنذار والتبشير موكب واحد يضم هذه الصفوة المختارة من بين البشر نوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وداود وموسى وغيرهم ممن قصهم الله على نبيه ص في القرآن وممن لم يقصصهم عليه موكب من شتى الأقوام والأجناس وشتى البقاع والأرضين في شتى الآونة والأزمان لا يفرقهم نسب ولا جنس ولا أرض ولا وطن ولا زمن ولا بيئة كلهم آت من ذلك المصدر الكريم وكلهم يحمل ذلك النور الهادي وكلهم يؤدي الإنذار والتبشير وكلهم يحاول أن يأخذ بزمام القافلة البشرية إلى ذلك النور سواء منهم من جاء لعشيرة ومن جاء لقوم ومن جاء لمدينة ومن جاء لقطر ثم من جاء للناس أجمعين محمد رسول الله ص خاتم النبيين كلهم تلقى الوحي من الله فما جاء بشيء من عنده وإذا كان الله قد كلم موسى تكليما فهو لون من الوحي لا يعرف أحد كيف كان يتم لأن القرآن وهو المصدر الوحيد الصحيح الذي لا يرقى الشك إلى صحته لم يفصل لنا في ذلك شيئا فلا نعلم إلا أنه كان كلاما ولكن ما طبيعته كيف تم بأية حاسة أو قوة كان موسى يتلقاه كل ذلك غيب من الغيب لم يحدثنا عنه القرآن وليس وراء القرآن في هذا الباب إلا أساطير لا تستند إلى برهان إولئك الرسل من قص الله على رسوله منهم ومن لم يقصص اقتضت عدالة الله ورحمته أن يبعث بهم إلى عبادة يبشرونهم بما أعده الله للمؤمنين الطائعين من نعيم ورضوان ; وينذرونهم ما أعده الله للكافرين العصاة من جحيم وغضب كل ذلك لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ولله الحجة البالغة في الأنفس والآفاق ; وقد أعطى الله البشر من العقل ما يتدبرون به دلائل الإيمان في الأنفس والآفاق ولكنه سبحانه رحمة منه بعباده وتقديرا لغلبة الشهوات على تلك الأداة العظيمة التي أعطاها لهم أداة العقل اقتضت رحمته وحكمته أن يرسل إليهم الرسل مبشرين ومنذرين يذكرونهم ويبصرونهم ; ويحاولون استنقاذ فطرتهم وتحرير عقولهم من ركام الشهوات التي تحجب عنها أو تحجبها عن دلائل الهدى وموحيات الإيمان في الأنفس والآفاق وكان الله عزيزا حكيمًا عزيزا قادرا على أخذ العباد بما كسبوا حكيما يدبر الأمر كله بالحكمة ويضع كل أمر في نصابه والقدرة والحكمة لهما عملهما فيما قدره الله في هذا الأمر وارتضاه ونقف من هذه اللفتة لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل أمام حشد من الإيحاءات اللطيفة العميقة ونختار منه ثلاثا على سبيل الاختصار الذي لا يخرج بنا من الظلال نقف منها أولا أمام قيمة العقل البشري ووظيفته ودوره في أخطر قضايا الإنسان قضية الإيمان بالله ; التي تقوم عليها حياته في الأرض من جذورها ; بكل مقوماتها واتجاهاتها وواقعياتها وتصرفاتها ; كما يقوم عليها مآله في الآخرة وهي أكبر وأبقى لو كان الله سبحانه وهو أعلم بالإنسان وطاقاته كلها يعلم أن العقل البشري الذي وهبه للإنسان هو حسب هذا الإنسان في بلوغ الهدى لنفسه والمصلحة لحياته في دنياه وآخرته لوكله إلى هذا العقل وحده ; يبحث عن دلائل الهدى وموحيات الإيمان في الأنفس والآفاق ويرسم لنفسه كذلك المنهج الذي تقوم عليه حياته فتستقيم على الحق والصواب ; ولما أرسل إليه الرسل على

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير