تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ترشد وتضبط وتستقيم برسالة الله وتضل وتختل وتضطرب إذا هي استقلت بنفسها وتنكبت هداه وخطأ وضلال إن لم يكن هو الخداع والتضليل كل زعم يقول إن العقول الكبيرة كانت حرية أن تبلغ بدون الرسالة ما بلغته بالرسالة فالعقل ينضبط مع الرسالة بمنهج النظر الصحيح ; فإذا أخطأ بعد ذلك في التطبيق كان خطؤه كخطأ الساعة التي تضبط ثم تغلبها عوامل الجو والمؤثرات وطبيعة معدنها الذي يتأثر بهذه المؤثرات لا كخطأ الساعة التي لم تضبط أصلا وتركت للفوضى والمصادفة وشتان شتان وآية أن ما يتم بالرسالة عن طريق العقل نفسه لا يمكن أن يتم بغيرها ; فلا يغني العقل البشري عنها أن تاريخ البشرية لم يسجل أن عقلا واحدا من العقول الكبيرة النادرة اهتدى إلى مثل ما اهتدت إليه العقول العادية المتوسطة بالرسالة لا في تصور اعتقادي ; ولا في خلق نفسي ولا في نظام حياة ولا في تشريع واحد لهذا النظام إن عقول أفلاطون وأرسطو من العقول الكبيرة قطعا بل إنهم ليقولون إن عقل أرسطو هو أكبر عقل عرفته البشرية بعيدا عن رسالة الله وهداه فإذا نحن راجعنا تصوره لإلهه كما وصفه رأينا المسافة الهائلة التي تفصله عن تصور المسلم العادي لإلهه مهتديا بهدى الرسالة وقد وصل أخناتون في مصر القديمة إلى عقيدة التوحيد وحتى مع استبعاد تأثره في هذا بإشعاع عقيدة التوحيد في رسالة إبراهيم ورسالة يوسف فإن الفجوات والأساطير التي في عقيدة أخناتون تجعل المسافة بينها وبين توحيد المسلم العادي لإلهه بعيدة بعيدة وفي الخلق نجد في الفترة التي هيمن فيها الإسلام في صدر الإسلام نماذج للأوساط ممن رباهم الرسول ص لا تتطاول إليها إعناق الأفذاذ على مدار التاريخ ممن لم تخرجهم رسالة سماوية وفي المبادى ء والنظم والتشريعات لا نجد أبدا ذلك التناسق والتوازن مع السمو والرفعة التي نجدها في نظام الإسلام ومبادئه وتشريعاته ولا نجد أبدا ذلك المجتمع الذي أنشأه الإسلام يتكرر لا في زمانه ولا قبل زمانه ولا بعد زمانه في أرض أخرى بتوازنه وتناسقه ويسر حياته وتناغمها إنه ليس المستوى الحضاري المادي هو الذي يكون عليه الحكم فالحضارة المادية تنمو بنمو وسائلها التي ينشئها العلم الصاعد ولكن ميزان الحياة في فترة من الفترات هو التناسق والتوازن بين جميع أجزائها وأجهزتها وأوضاعها هو التوازن الذي ينشى ء السعادة والطمأنينة والذي يطلق الطاقات الإنسانية كلها لتعمل دون كبت ودون مغالاة في جانب من جوانبها الكثيرة والفترة التي عاشت بالإسلام كاملا لم تبلغها البشرية بعيدا عن الرسالة في أي عصر والخلخلة وعدم الاتزان هو الطابع الدائم للحياة في غير ظل الإسلام ; مهما التمعت بعض الجوانب ; ومهما تضخمت بعض الجوانب فإنما تلتمع لتنطفى ء جوانب أخرى وإنما تتضخم على حساب الجوانب الأخرى والبشرية معها تتأرجح وتحتار وتشقى

الدرس الخامس: شهادة الله لنبيه.

ونقف عند هذا الحد المناسب لسياق الظلال في الحديث عن الإيحاءات القوية العميقة التي يثيرها في النفس قول الله تعالى رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل لنمضي بعدها مع السياق القرآني لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدًا فإذا أنكر أهل الكتاب هذه الرسالة الأخيرة وهي جارية على سنة الله في إرسال الرسل لعباده مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وأهل الكتاب يعترفون بالرسل قبل محمد ص اليهود يعترفون بمن قبل عيسى عليه السلام والنصارى يعترفون بهم وبعيسى الذي ألهوه كما سيجيء فإذا أنكروا رسالتك يا محمد فلا عليك منهم فلينكروا لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدًا وفي هذا الشهادة من الله ثم من ملائكته ومنهم من حملها إلى رسوله إسقاط لكل ما يقوله أهل الكتاب فمن هم والله يشهد والملائكة تشهد وشهادة الله وحدها فيها الكفاية وفي هذه الشهادة تسرية عن الرسول ص وما يلقاه من كيد اليهود وعنتهم وفيها كذلك تصديق وتثبيت وتطمين للمسلمين في أول عهدهم بالإسلام بالمدينة أمام حملة يهود التي يدل على ضخامتها هذه الحملة القرآنية المنوعة الأساليب والإيحاءات في ردها والقضاء عليها وعندئذ يجيء التهديد الرعيب للمنكرين في موضعه بعد شهادة الله سبحانه وشهادة الملائكة بكذبهم وتعنتهم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير