تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وعائلته ثم بأسرته وعشيرته صورة واقعية من الإسلام الذي يدعو إليه وتخطو شهادته الخطوة الثانية بقيامه بدعوة الأمة بعد دعوة البيت والأسرة والعشيرة إلى تحقيق الإسلام في حياتها كلها الشخصية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وتنتهي شهادته بالجهاد لإزالة العوائق التي تضل الناس وتفتنهم من أي لون كانت هذه العوائق فإذ استشهد في هذا فهو إذن شهيد أدى شهادته لدينه ومضى إلى ربه وهذا وحده هو الشهيد وفي نهاية المطاف نقف وقفة خاشعة أمام جلال الله وعظمته ; ممثلة في علمه وعدله ورعايته وفضله ورحمته وبره بهذا الكائن الإنساني الذي يجحد ويطغى نقف أمام عظمة العلم بهذا الكائن ; وما أودعه من القوى والطاقات ; وما ركب في كينونته من استعدادات الهدى والضلال وما رتبه على هذا العلم حين لم يكله إلى عقله وحده على عظمة هذه الأداة التي وهبها له ; وعلى كثرة ما في الأنفس والآفاق من دلائل الهدى وموجبات الإيمان فلقد علم الله أن هذه الأداة العظيمة تنوشها الشهوات والنزوات ; وأن الدلائل المبثوثة في تضاعيف الكون وأطواء النفس قد يحجبها الغرض والهوى ويحجبها الجهل والقصور ومن ثم لم يكل إلى العقل البشري تبعة الهدى والضلال إلا بعد الرسالة والبيان ولم يكل إليه بعد البيان والاهتداء وضع منهج الحياة إنما وكل إليه تطبيق منهج الحياة الذي يقرره له الله ثم ترك له ما وراء ذلك وهو ملك عريض يبدع فيه ما شاء ويغير فيه ما شاء ويركب فيه ما شاء ويحلل فيه ما شاء منتفعا بتسخير الله لهذا الملك كله لهذا الإنسان وهو الذي يخطى ء عقله ويصيب وتعثر قدمه وتستقيم على الطريق ونقف أمام عظمة العدل الذي يرتب للناس حجة على الله سبحانه لو لم يرسل إليهم الرسل مبشرين ومنذرين هذا مع احتشاد كتاب الكون المفتوح وكتاب النفس المكنون بالآيات الشواهد على الخالق ووحدانيته وتدبيره وتقديره وقدرته وعلمه ومع امتلاء الفطرة بالأشواق والهواتف إلى الاتصال ببارئها والإذعان له والتناسق والتجاوب والتجاذب بينها وبين دلائل وجود الخالق في الكون والنفس ومع هبة العقل الذي يملك أن يحصي الشواهد ويستنبط النتائج ولكن الله سبحانه بما يعلم من عوامل الضعف التي تطرأ على هذه القوى كلها فتعطلها أو تفسدها أو تطمسها أو تدخل في حكمها الخطأ والشطط قد أعفى الناس من حجية الكون وحجية الفطرة وحجية العقل ما لم يرسل أليهم الرسل ليستنقذوا هذه الأجهزة كلها مما قد يرين عليها وليضبطوا بموازين الحق الإلهي الممثل في الرسالة هذه الأجهزة فتصح أحكامها حين تستقيم على ضوابط المنهج الإلهي وعندئذ فقط يلزمها الإقرار والطاعة والاتباع ; أو تسقط حجتها وتستحق العقاب ونقف أمام عظمة الرعاية والفضل والرحمة والبر بهذا المخلوق الذي يكرمه الله ويختاره على ما يعلم به من ضعف ونقص ; فيكل إليه هذا الملك العريض خلافة الأرض وهو بالقياس إليه ملك عريض وإن كان في ملك الله ذرة تمسكها يد الله فلا تضيع في ملكه الكبير ثم تشاء رعايته وفضله ورحمته وبره ألا تدعه لما أودع في كينونته من فطرة هادية ولكنها تطمس ; ومن عقل هاد ولكنه يضل ; بل يتفضل عليه ربه فيرسل إليه الرسل تترى وهو يكذب ويعاند ; ويشرد وينأى ; فلا يأخذه ربه بأخطائه وخطاياه ; ولا يحبس عنه بره وعطاياه ولا يحرمه هداه على أيدي رسله الهداة ثم لا يأخذه بالعقاب في الدنيا أو في الآخرة حتى تبلغه الرسل ; فيعرض ويكفر ويموت وهو كافر لا يتوب ولا ينيب ومن عجب أن يأتي على هذا الإنسان زمان يزعم لنفسه أنه استغنى عن ربه استغنى عن رعايته وفضله ورحمته وبره استغنى عن هدايته ودينه ورسله استغنى بالأداة التي علم ربه أنها لا تغنيه ما لم تقوم بمنهج الله فلم يكتب عليه عقابا إلا بعد الرسالة والبيان فيتمثل لنا الطفل الذي يحس ببعض القوة في ساقيه فيروح يبعد عنه اليد التي تسنده ليتكفأ ويتعثر غير أن الطفل في هذا المثال أرشد وأطوع للفطرة إذ أنه بمحاولة الاستقلال عن اليد التي تسنده يجيب داعي الفطرة في استحثاث طاقات كامنة في كيانه ; وإنماء قدرات ممكنة النماء ; وتدريب عضلات وأعصاب تنمو وتقوى بالتدريب أما إنسان اليوم الذي يبعد عنه يد الله ويتنكب هداه فإن كينونته بكل ما يكمن فيها من قوى يعلم الله أنها لا تشتمل على قوة مكنونة تملك الاستغناء عن يد الله وهداه وقصارى ما في قواه أنها

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير