تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

في هذه الآية يأتي الملأ _ وهم القيادات والأشراف _وسموا بالملأ لأنهم يملأون عيون الناس لمكانتهم ومالهم _ يأتي هؤلاء إلى النبي طالبين منه أن يعين لهم ملكاً يجمع شملهم ويوحد شتاتهم ذلك لأن الشعوب المهزومة يكون لها قيادات كثيرة.

والطلب الثاني أن يقودهم هذا الملك للقتال، وحددوا نوع القتال في طلبهم الثالث بأنه في" سبيل الله".

وجه الغرابة:

والحق أن صدور هذه المطالب الثلاثة من مثل هذه الزعامات أمر مستغرب بل مستهجن ويدعو إلى الشك والريبة، فلقد عهد الناس في زعماء الهزيمة انهم لا يحبون الوحدة لأنها تكلفهم التنازل عن كراسيهم .. ولا يحبون القتال لأنه يكلفهم حياتهم وبالتالي فهم دعاة الصلح والسلام، وأبغض شئ لديهم رفع راية " في سبيل الله " ولذلك فهم يفضلون عليها كل الرايات الوضيعة من شرقية وغربية .. إضافة إلى أنهم يريدون أن يكونوا أصناماً معبودة لا أناساً عاديين. وهنا يثور التساؤل مرة أخرى: لماذا توجهوا إلى النبي يطلبون هذه المطالب وهم كاذبون؟! بدليل انهم بمجرد أن كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم، وبمجرد أن عين طالوت ملكاً عليهم وقائداً عاماً للجيش رفضوا إمرته واعترضوا عليه مما يعني أن يرفضون الوحدة التي جاءوا يطالبون بها، وكذلك فإن رفضهم لطالوت الذي اختاره الله واصطفاه عليهم يدل على أنهم غير صادقين في رفعهم راية " في سبيل الله " وقد بين لهم نبيهم ذلك "إن الله قد بعث لكم طالوت " فهو اختيار الله، فما حقيقة الأمر يا ترى؟

الوحدة:

إن الشعوب لا تظل مستغفلة عمياء أبد الدهر ولكنها تصحو من نومها وتفيق من سباتها وتدرك أن سببا رئيسياً من أسباب الهزيمة هو التفرق والتمزق ولذلك تسعى للوحدة، ولكن هذه الشعوب تحس بأن القيادات المتسلطة هي سبب تفرقها فتتمنى الجماهير لو تزيلهم أو يتحدوا، وها هنا يخشى الزعماء على أنفسهم فيجتمعون ويشكلون هياكل ومنظمات وحدوية هشة ليضحكوا بها على ذقون الشعوب وتكون بمثابة " اللهاية" التي تسكتهم عن المطالبة بالوحدة الحقيقية .. ولدينا العديد من الأمثلة والنماذج كالجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي. …وربما سارع هؤلاء الزعماء أنفسهم إلى تقويض الوحدة الهشة التي صنعوها بأيديهم كي تيأس الجماهير ولا تعود تطالب بالوحدة، ثم تسري في الناس مقالة " اتفق العرب على ألا يتفقوا".

لماذا القتال؟

هذا عن الوحدة ولماذا يطالبون بها .. فلماذا يا ترى يطالبون بالقتال؟؟ إن الشعوب التي بدأت تفيق وتصحو من سباتها تدرك أن هزيمتها كانت لأنها لم تدخل معارك حقيقية أو أنها حاربت بدون تخطيط واستكمال للعدة، ونتيجة لتآمر زعمائها عليها، وبالتالي فالقيادات تطالب بأن تخوض ميدان الوغى مدفوعة بحماس الجماهير حتى لا تتهم بالجبن والخيانة، وربما كانوا يظنون بأن القتال لن يحصل فلا بأس من المزايدة. أو فليخوضوا الحروب ليكبروا في أعين الناس لأن الذي يقاتل يكسب احترامهم وثقتهم وتصبح له مكانة في قلوبهم .. مع أن هذه القيادات لم تشترك فعلياً في القتال بل زجوا الشعوب بها، وبالتالي تظل القيادات على كراسيها.

وهم حين يخوضون الحروب فإنهم يخوضونها دون إعداد ولا تخطيط، بل هم يتآمرون على مزيد من بيع الأوطان وجعل جنودهم وجيوشهم بين قتيل وأسير وجريح أمام الأعداء الذين يتسلمون اغلب الأسلحة والمعدات غنيمة باردة، وتتحطم معنويات الشعوب وتصاب باليأس والإحباط فيقنعها الزعماء عن طريق وسائل إعلامهم بأن لا طاقة لهم بقتال الأعداء حتى يجدوا سبيلاً للتفاوض والاستسلام.

وبرغم ذلك فإن الشعوب لا تموت _ وبخاصة إذا كانت مؤمنة _ وبالتالي فهي لا تتوقف عن المطالبة بقتال الغاصبين، وهنا يخوض الحكام بالشعوب المتحمسة المعبأة حروباً جديدة، يحققون فيها انتصارات تكتيكية صغيرة ليكبروا في أعين الجماهير وتكون هذه الانتصارات الوهمية جسراً ومعبراً لمفاوضة الأعداء ووقف القتال وإسكات الجماهير عن المطالبة بكامل الحقوق المسلوبة والأوطان المضيعة … وينادي واحدهم فيقول انه بطل العبور .. وهو اليوم أيضاً بطل السلام.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير