تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يذكر في القرآن غير أربع مراتٍ في مواقف خاصة اقتضت ذلك الذكر؛ لأن من المشركين من أنكر الإسلام لأنه لا يريد الاعتراف بالرسول) صلى الله عليه وسلم) حسداً وأنفة أو أن الاعتراف به سيعني إعلاءً لكلمة بني هاشم ... الخ، فكان الإتيان باسم الرسول) صلى الله عليه وسلم) سيعني إنكاراً ونفوراً من البداية دون استماع لهذه الآيات التي تذكره والله أعلم. غير أن غاية بلاغية أخرى قصدت من التنكير والتعريف في قوله تعالى: (كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً فعصى فرعون الرسول) (المزمل: 15 - 16) فلم يكن فرعون يعرف موسى رسولاً صاحب عقيدة فُنكّرَ اسم الرسول لعدم معرفة فرعون به لبداية دعوته غير أن التعريف دلّ على أن فرعون لم يعصه إلا بعد أن عرفه وجادله وناقشه فأصبح يعرف يقيناً أنه رسول ومع ذلك عصاه فاستحق أن يؤخذ أخذاً وبيلاً ( ... فأخذناه أخذاً وبيلاً) (المزمل: 16)، وقد جعل الزمخشري التعريف عهدياً إشارة إلى المذكور بعينه (11)، وقيل هي للجنس لأن من عصى رسولاً فقد عصى سائر الرسل (12)، أمّا الرازي فجعل التقدير: أرسلنا إلى فرعون رسولاً فعصاه فأخذناه أخذاً وبيلاً، فأرسلنا إليكم أيضاً رسولاً فعصيتم ذلك الرسول، فلا بد وأن نأخذكم أخذاً وبيلاً، فأرسلنا إليكم أيضاً رسولاً فعصيتم ذلك الرسول، فلا بد وأن نأخذكم أخذاً وبيلاً (13)، وقد يستخدم التعبير القرآني التعريف بالإضافة لتكريم المضاف إليه بالتخصيص مع أن المضاف غير خاصٍ للمضاف إليه كما في قوله تعالى: (ما أنت بنعمة ربكَ بمجنون) (القلم: 3) وقوله تعالى: (إنّ ربك هو أعلم بمن ضلَّ عن سبيله ... ) (القلم: 7) فكأن الخطاب هنا - كما يقول أحمد بدوي - لمحمد) صلى الله عليه وسلم) وحده وكأن الله في هذا الموقف ربّ محمدٍ قبل أن يكون ربّ سواه ولو ربطنا بين موقف محمد وقريش وهو الرجل الوحيد في المعركة أمام قوةٍ من الرجال كثيرة في عددها كبيرة في قوتها شديدة في أذاها .... لأدركنا يقيناً لِمَ أضيف الرب إلى كاف الخطاب ولِمَ لم تستعمل كلمة أخرى مكان كلمة (ربك) كـ (الله) مثلاً (14)، والأمر كذلك في قوله تعالى: (سبّح اسم ربَّكَ الأعلى) (الأعلى: 1) فجاءت الإضافة إلى الرب دون (الله) لما يُشعر به وصف (رب) من أنه الخالق المدبر وأما إضافة (رب) إلى ضمير الرسول) صلى الله عليه وسلم) فلتشريفه بهذه الإضافة وأنّ له حظاً زائداً على التكليف بالتسبيح (15)، ومن المفسرين من جعل الإضافة دليلاً على عدم التكرار في قوله تعالى: (قل أعوذ برب الناس ملك الناس آله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس …) فـ (الناس) الأول بمعنى الأطفال المحتاجين للتربية بدليل إضافة (رب) إليهم فهو الخالق المربي المدبر، والثاني الشباب لما في لفظ (الملك) من القوة (16) والثالث الشيوخ لأن (الإله) هو المعبود (17)، والشيوخ هم المتعبدون المتوجهون لله (18)، وهذه الملاحظة على ما قد يقال في بعدها تشير إلى نظرة المفسرين إلى المفردة لا من خلال قيمتها الدلالية وحدها وإنما هي ضمن إطارها الدلالي العام تدخل في مجموعة من العلاقات مع بقية المفردات سواء كانت في الجملة الواحدة أو السورة ككل فبين المفردات علائق خفية تجعل الواحدة منها مؤثرة ومتأثرة بالأخرى مما يشكل المعنى السياقي العام وسيتضح هذا في مبحث التضمين.

أما الضمير فقد وظف في القرآن توظيفاً جعل السورة القرآنية تتسم بترابط آياتها مع الإيجاز وعدم التكرار إلا ذاك التكرار الموظف لغايات تعبيرية ... والقرآن في كل هذا يستفيد من أساليب العرب كما في ضمير الشأن أو القصة وهو الضمير الذي لا مرجع له كما في قوله تعالى: (قل هو الله أحد) (الإخلاص: 1) والأسلوب العربي - كما يقول أحمد بدوي - لا يأتي بهذا الضمير إلا في المواطن التي يكون للأمر فيها أهمية تراد العناية بها فيكون هذا الضمير أدعى للتنبيه يدفع المرء إلى الإصغاء فإذا وردت الجملة بعده استقرت في النفس واطمأن إليها الفوآد (19) وقد تبنى الضمائر في آيات معينة على صحة أن تكون عائدة على أكثر من مرجع كما في قوله تعالى: (قُتلَ أصحاب الأخدود النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير