تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

العزيز الحميد) (البروج: 4 - 8) إذ نحن حيال تفسيرين لـ (قُتِلَ أصحاب الأخدود) هل هم من حفر الأخدود وألقى المؤمنين به فيكون (قُتِلَ أصحاب الأخدود) دُعاءً عليهم بالهلاك واللعن كما فهمه بعض المفسرين (20)، أم المقصود هنا الإخبار عن المؤمنين (أصحاب الأخدود) الذين ألقوا فيه كما فَهِمَ مفسرون آخرون (21)، إنّ بناء الجمل كان بطريقةٍ تسمح بعود الضمير صحيحاً على كلا التفسيرين، ومن جعل (قُتِلَ أصحاب الأخدود) (جوابَ القسم جعل الكلام خبراً وقدّره لقد قُتِلَ أصحاب الأخدود فيكون المراد من أصحاب الأخدود الذين ألقوا فيه وعذّبوا به) (22) أي يكون قتل خبراً لا دعاءً ولا شتماً، ولا يتعين أن يكون الخبر مستعملاً في لازم معناه من الإنذار للذين يفتنون المؤمنين بأن يحل بهم ما حَلَّ بفاتني أصحاب الأخدود ليعتبره الشيخ ابن عاشور ردّاً على الرأي الآخر بحجة أنّ الخبر عن أصحاب الأخدود لا يحتاج إلى التوكيد بالقسم إذ لا ينكره أحد فهو قصة معلومة للعرب كما يقول الشيخ، وهذه الحجة لا تلزِمُ إلا على رأي الفراء كما صرّح الشيخ بنفسه لأن الزجاج: يرى أن جواب القسم هو (إن بطش ربك لشديد) (البروج: 12) والكلام الذي بينهما اعتراض قُصدَ به التوطئة للمقسم عليه وتوكيد التحقيق الذي أفاده القسم بتحقيق ذكر النظير (23)، وقد (يكون الله قد ضرب قصة أصحاب الأخدود هنا مثلاً ودليلاً على جواب القسم المقدّر وهو ابتلاء المؤمنين) (24).

أما بالنسبة للموصول فقد استُخدم في القرآن لوظيفةٍ تصويرية - إن صحّ التعبير - فالموصول يقدّم انتقالاً وصفياً من السياق العام إلى تفريع يُقصد إليه لغاية تعبيرية يحتاجها السياق وكأنها أحياناً تعليلية كما في قوله تعالى: (اقرأ باسم ربك الذي خلق) (العلق: 1) فقد جيء في وصف الربّ بطريق الموصول (الذي خلق) لأن في ذلك استدلالاً على انفراد الله تعالى بالإلهية لأن هذا القرآن سيُتلى على المشركين، لما تفيده الموصولية من الإيماء إلى علة الخبر وإذا كانت علة الإقبال على ذكر اسم الرب هي أنه خالقٌ دلَّ ذلك على بطلان الإقبال على ذكر غيره الذي ليس بخالق (25)؛ لأنهم معترفون بأن الله هو الخالق وحده (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله) (الزمر: 38) فهذه الظاهرة الأسلوبية تستخدم قصداً لما بعدها (الصلة) مما يخلق نوعاً من التفنن في الأداء ووضع وصف مناسب للاسم عند حاجة السياق إليه.

ومثلما وُظف الموصول وظفت الإشارة في الأسلوب القرآني حتى كأنها تعبير لوحدها له دلالته الخاصة التي تسبغ على السياق ومن خلاله المعنى الدلالي الذي يجرد المُتَحدَّثَ عنه وكأنه مُشاهدٌ مُبصر كما قال تعالى: ( ..... فذلك الذي يَدعُّ اليتيم) (الماعون: 2) فكأنه أصبح ظاهر الوصف بارزاً يُشار إليه، ليس هذا فقط بل إنما تضع المخاطب على بعده عما تشير إليه قال تعالى: (هذه جهنم التي يكذِّب بها المجرمون) (الرحمن: 43) و (هذا ما توعدون لكل أوابٍ حفيظ) (ق: 32) لما كان الخطاب في يوم القيامة وأصبح كل شيءٍ مرئياً مُشاهداً، في حين قال تعالى مُخبراً عن المؤمنين: (لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير) (البروج: 11) وهم في الدنيا وخاطبهم فيها باسم الإشارة الدال على البعد لأنهم حصلوا على شيءٍ بعيد (وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يُلقاها إلا ذو حظٍّ عظيم) (فصلت: 35) وقال تعالى: (إنّ ربك هو أعلم بمن ضلَّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) (القلم: 7) فقد جاءت (من) الدالة على العاقل هنا وجيء بصلتها (الفعل ضلّ) مفرداً على الرغم من كثرة الضالين يومئذٍ لتحقير شأنهم فكأنهم فردٌ واحد لا غير في حين جاء لفظ الهداية جمعاً على قلة عددهم يومئذٍ وكأنهم جمع كبير يملأ الدنيا لذلك عُرّف اللفظ بلام العهد الذهني للتكثير والتعظيم (26) وقد يؤتى بالمعرفة والنكرة في تقابل دلالي كما سبق في قوله تعالى: (إنا أرسلنا إلى فرعون رسولاً فعصى فرعون الرسولَ)، ومن هذا الباب إعادة المعرفة معرفة والنكرة نكرة لا كما في المثال السابق وإنما كقوله تعالى: (إنَّ مع العسر يسراً، إن مع العسر يسرا) (الانشراح: 4 - 5) والمفسرون يقولون إن المعرفة إذا كررت كان الثاني عين الأول وإذا كررت النكرة كان

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير