تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[13 Oct 2004, 06:02 ص]ـ

أخي الكريم ابن حجر ـ حرم الله وجهي ووجهكم على النار ـ أسأل الله لي ولكم السداد في القول والعمل، أما بعد:

فأنت تعلم حساسية هذا الموضوع؛ لأنه يتعلق بجناب النبوة، والخطأ فيها فاحش مرذول، أسأل الله لي ولك حسن البيان على وفق ما جاء في السنة والقرآن، وأن يُبعدنا عن التأويلات البعيدة عن ظاهر الوحيين.

أخي الكريم: لقد كنت أدرك أن مفهوم العصمة فيه اختلاف بين المتحدِّثَين، لذا قلتُ ما قلتُ، وإني أبنت عن مفهوم العصمة فيما سبق، وأعيده هنا على اختصار، فأقول:

أولاً: إن الأصل في هذه المسألة أن نُثبت ما أثبته الله لأنبيائه أو عليهم، وننفي عنهم ما نفاه عن أنبيائه، فلا نذكر من عند أنفسنا مالم يدل عليه النص الشرعي الذي أثبت أمرين في عصمة الأنبياء، وهما

1 ـ إن النبي معصوم عن الخطأ في التبليغ، فلا يمكن أن يترك النبي أمرًا من أوامر الله فلا يبلِّغه، كما لا يمكن أن يأمره الله بأن يأمر عباده بأمر فيأمرهم بخلاف ما أمره الله، وهذا ظاهر باستقراء حال الأنبياء؛ إذ لم يرد ذلك عنهم.

وقصارى ما ورد في هذا الأمر عن نبينا صلى الله عليه وسلم هو تأخير الاستجابة لأمر الله خشية الناس، فعاتبه الله على ذلك، وذلك في شأن زواجه من زينب بعد مملوكه زيد بن حارثة، قال الله تعالى: (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله، وتخفي في نفسك ما الله مبديه، وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولاً).

فالله ـ سبحانه ـ عاتبه على تأخيره لتنفيذ هذا الوحي الذي أخبره الله بأنه سيقع، وكان تأخيره له خشية قالةِ الناس كما أخبر الله، لكنه صلى الله عليه وسلم ـ وحاشاه من ذلك ـ لم يترك تبليغ هذا الوحي وتنفيذه، مع انه ـ كما يظهر ـ كان شديدًا عليه تطبيق هذا في نفسه صلى الله عليه وسلم، حيث خالف سنة ماضية عند قومه، فخشي من كلامهم فيه.

2 ـ أن النبي إذا أخطأ ذكَّره الله بخطئه، فاستغفر النبي منه، فيغفر الله له، وقد ورد هذا في أكثر من نبي عليهم السلام.

وهذا الحال لا يكون إلا للأنبياء عليهم السلام، أما من سواهم فيُخطئون ولا يُذكَّرون بخطئهم، وقد لا يقع منه الاستغفار من الأخطاء، وقد لا يغفر الله لهم، وهذا خلاف حال الأنبياء عليهم السلام.

هذا ما تعطيه النصوص الشرعية، أما أن نُركِّب مفهومًا للعصمة، ثمَّ نحكِّمه على نصوص القرآن والسنة فذلك نهج المعتزلة وطريقة تفكيرهم، حيث جعلوا العقل حَكَمًا على الشرع.

ولما دخل العقل المجرد، أو المبني على بعض الأهواء في تحديد مفهوم العصمة وصل الحال ببعض المتصوفة إلى الزعم بأن النبي لا يقع من خطأ البتة لا في أمور دينه ولا في أمور دنياه، وراحوا يلوون أعناق النصوص التي تخالف رأيهم في العصمة، فحرَّفوا الكلِم، وشنَّعوا على غيرهم ممن اعتمد النصوص الظاهرة.

ثانيًا: قولكم ـ حفظكم الله ـ: (ولا يمكن لنبي أن يواقع الفواحش ثم يتأهل لحمل النبوة (ـ افتراض، وهو مما لم يقع أصلاً، وإني أرى أن ترك مثل هذه الافتراضات أولى، وإنما يكون الحديث عما ثبت في النصوص، وكيف يُفسَّرُ، أما ما لم يقع أصلاً، فليس بداخلٍ في مجال البحث، بل أرى أن إيراده في الحديث عن العصمة في غير محلِّه، فالأنبياء أرفع شأنًا من أن يُنفى عنهم ما لم يقع منهم أصلاً.

ولا يوجَّه مثل هذا إلا لمخالف يرى وقوع مثل ذلك، فيقال له: أثبت وقوعه بالنصوص، وذلك ما لا يمكن إثباته البتة، ومن علم حال الأنبياء، وتأمل في سيرهم علم بعدهم عن مثل هذه الأمور.

ثالثًا: قولكم ـ حفظكم الله ـ: (سؤالي: ألا ترى العصمة لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بعد النبوة؟

إن كنت ترى ذلك _ وهذا المظنون بكم _ فلماذا عاتبه الله في الأسرى وفي الأعمى؟!!)

فأقول: أنا لا أشكُّ في عصمة نبينا صلى الله عليه وسلم طرفة عين، لكن على ما ذكرت لك من مفهوم العصمة، وطريقة ثبوت العصمة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير