وقد مر معنا نحو هذا لأستاذنا الدكتور الشاهد البوشيخي حين قال:"ويومئذ يقوم علم طالما حز في النفس ألا يكون نضج ولا احترق."
كما أشار لنفس الموضوع عند حديثه عن مبررات اختياره البحث في قواعد التفسير حيث لاحظ" ندرته وانعدام المؤلفات الخاصة بهذا الجانب".
أما هذه الندرة في التأليف فقد أشار إليها أكثر من واحد،ومن ذلك ما قاله الدكتور فهد الرومي:"حين أسند إلي تدريس مقرر أصول التفسير …لم أجد كتابا يجمع أبوابه،بل منها ما لم يكتب فيه كتابة وافية فرأيت أن الحاجة ماسة إلى وضع كتاب في أيدي الطلاب يجمع لهم الشتات."
ومن الباحثين أيضا نذكر الدكتور فريد الأنصاري في كتابه ‘ أبجديات البحث في العلوم الشرعية’ فهو بعد أن يلاحظ " أن العلوم الشرعية قد ركبت تركيبا مزدوجا بين جانبين نظري وتطبيقي " يلاحظ أيضا" أن التفسير بصفته شرحا لكتاب الله بقي عريا من أي سياج نظري نقدي له نسقه الذي يحكمه ومنطقه الذي يقننه ويقعده " ثم يقرر بعد ذلك أن الأمر يتعلق بمشروع " يحتاج إلى تضافر الجهود والعمل الجماعي والتشجيع المؤسسي الرسمي وغير الرسمي ممن لهم غيرة على التراث الإسلامي عامة والعلوم الشرعية خاصة عسى أن يرى بعد جيل أو أكثر من البحث الجاد ‘‘علم أصول التفسير’’ وقد قام واستوى وصار مادة منهجية ذات نسق دقيق…"
هذه بعض النصوص التي وقفت عليها،ولا يبعد أن توجد نصوص أخرى كثيرة ذات الصلة بالموضوع وكلها تجمع كما اتضح ذلك جليا على الحاجة الماسة لهذا الموضوع.
أما الجانب النظري الذي يلاحظ عليه الضمور بالنسبة للجانب التطبيقي، والذي يعد المادة المرجعية لموضوعنا فأهم مظانه ما يلي:
1) كتب علوم القرآن قديمها وحديثها:
وتأتي هذه الكتب في المقدمة، حتى عدها بعضهم أنها هي أصول التفسير.
والغالب على هذه الكتب أنها تجمع سائر العلوم التي لها تعلق مباشر بالقرآن الكريم: كعلم أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، والمكي والمدني، وجمع القرآن والرسم القرآني،والمحكم والمتشابه …و غيرها. " هذه العلوم التي يقوم كل منها مستقلا عن الآخر تروم كلها غاية واحدة ألا وهي خدمة كتاب الله تعالى وتيسيره".إلا أنها لم تقعد التقعيد الذي يضبط العملية التفسيرية نفسها.
وهذه الكتب وما اشتملت عليه من العلوم، وإن صيغت في أصلها لتيسير تفسير القرآن الكريم فقد غلب عليها أحد المنهجين: الوصفي، أو التاريخي، مما يجعلها قاصرة عن ضبط التفسير. فالحديث عن أسباب النزول وعن المكي والمدني والناسخ والمنسوخ ونحو ذلك لا يزيد عن وصف ما وقع. والجهد كله منحصر في بيان المكي من المدني، وبيان الناسخ من المنسوخ، وبيان سبب نزول الآية أو الآيات.
وفي مبحث كجمع القرآن لا يتعدى الأمر التأريخ للمراحل التي مر بها تدوين النص القرآني. وهي بهذا الشكل لا يصح إطلاق أصول التفسير عليها حقيقة.
ب- مقدمات كتب التفسير:
تتضمن أغلب كتب التفسير مقدمات وضعها أصحابها تمهيدا نظريا لتفسيرهم. ومع أهمية هذه المقدمات إلا أن مضامينها أشبه ما تكون بكتب في علوم القرآن. و لعل هذا هو الذي جعل آرثر جفري ينشر مقدمتين لكتابين في التفسير، و سماهما" مقدمتان في علوم القرآن، مقدمة كتاب المباني، ومقدمة ابن عطية".
و من بين الذين نبهوا إلى قيمة هذه المقدمات العلمية وفائدتها في ما يتصل بموضوعنا الدكتور محمد بن لطفي الصباغ.
فقد جعل هذه المقدمات من أهم المصادر التي يمكن أن يرجع إليها طالب العلم الراغب في معرفة أصول التفسير، قال:"من ذلك المقدمات النفيسة التي كتبها المفسرون الكبار من أمثال الطبري والقرطبي وأبي حيان وابن كثير وغيرهم" و يمكن أن نضيف أيضا مقدمة القاسمي التي وضعها لتفسيره " محاسن التأويل" تحت عنوان:" تمهيد خطير في قواعد التفسير".
و ما قيل عن كتب علوم القرآن يقال عن أغلب هذه المقدمات، من حيث القصور التقعيدي،فأغلبها مباحث في علوم القرآن.
وإذا أخذنا مقدمة الطبري مثالا لذلك وجدناه تناول المباحث التالية:
1. القول في البيان عن اتفاق معاني آي القرآن ومعاني منطق من نزل بلسانه القرآن من وجه البيان…
2. القول في البيان عن الأحرف التي اتفقت فيها ألفاظ العرب وألفاظ غيرها من بعض أجناس الأمم.
3. القول في اللغة التي نزل بها القرآن من لغات العرب.
¥