ومن أكثر الباحثين وعيا بهذا الموضوع الدكتور الشاهد البوشيخي الذي يعود له الفضل بعد الله في توجيهي للاشتغال به. ولقد أثار الموضوع في مواقع كثيرة من ذلك ما قاله عند حديثه عما يمكن تسميته بآفاق الدراسات القرآنية حين يقول: "فالذي أحسبه واجب الوقت على الجيل الصاعد الرائد هو:
1. " إخراج التراث التفسيري للأمة:بدءا من خير القرون فالذين يلونهم فالذين يلونهم …إخراجه إخراجا علميا قد وفي حظه من التوثيق سندا ومتنا…
2. دراسة ذلك التراث بهدف استخلاص علم أصول البيان والتفسير وقواعده وضوابطه كما تجلت في عمل خير القرون فالذين يلونهم فالذين يلونهم …أوفي أنظار من تلا ودون في مقدمات أو كتب، أو شذرات منثورة في بطون الكتب، أو إشارات…
3. بناء علم البيان القرآني أو علم التفسير إنطلاقا من تلك المستخلصات بعد تصنيفها، و تحليلها، و تعليلها،وتقويمها، وإضافة ما يلزم إضافته إليها."
فما عدا الخطوة الأولى،فإن الخطوتين التاليتين يندرجان في صميم الموضوع.وما الأولى عنه ببعيدة فلا يتصور بناء لعلم أصول التفسير إلا انطلاقا من تراث الأمة التفسيري والذي على رأسه ولاشك تراث خير القرون"الجيل الراشد ومن تبعه بإحسان، وفي عملهم التفسيري تكمن أساسيات علم بيان القرآن،و المنهج التفسيري الراشد."
و تقديرا من الأستاذ الدكتور الشاهد البوشيخي لحجم صعوبات هذا الموضوع فإنه يقرر:"حقا إنه لشاق استنطاق العمل لاستخلاص الأصول والقواعد" لكنها خطوة لابد منها ليقوم علم طالما حز في النفس ألا يكون نضج ولا احترق."
وقد عد الدكتور الشاهد البوشيخي واقع علم أصول التفسير ثالث الحواجز لدراسة مفاهيم الألفاظ القرآنية:
الأول واقع التراث النصي العربي،
الثاني واقع المعجم اللغوي العربي،
الثالث علم أصول التفسير أو علم بيان القرآن كما سماه.
وعنه يقول"… علم بيان القرآن أو أصول التفسير الذي مازال ينتظر جهودا صادقة مخلصة لاستخلاصه من مصادره وتخليصه مما التبس به وتصنيفه وتكميل بنائه علما ضابطا لبيان القرآن الكريم من الفهم السليم حتى الاستنباط السليم "
فواضح من خلال كل ما تقدم الحاجة الملحة للبحث في هذا الموضوع.
ومن الباحثين الذين دعوا إلى تأسيس علم أصول التفسير الدكتور إسماعيل سالم وذلك في كتابه ‘تفسير النصوص وآيات القصاص والديات’ يقول:" نقترح إنشاء علم جديد لقواعد التفسير "،ويضيف محددا الإسم لـ" هذا العلم المقترح علم أصول التفسير " ثم يعرف محاولته قائلا:"هي محاولة نبتغي بها …مزيدا من الضبط والتقعيد لتفسير آيات الله. وأول خطوة على الطريق هي تجميع تلك القواعد من العلوم التي لها صلة بالتفسير وباستنباطها من التفسير أو غيره."
ومن الباحثين الذين تنبهوا لهذا الأمر خالد بن عثمان السبت وإن كان قصره على قواعد التفسير. لكن الراجح أنه ممن يطلق قواعد التفسير وهو يقصد أصول التفسير. ويظهر ذلك عند حديثه عن الفرق بين التفسير وقواعد التفسير حين يقول:"قواعد التفسير هي تلك الضوابط والكليات التي تلتزم كي يتوصل بواسطتها إلى المعنى المراد .. فأصول التفسير وقواعده مع التفسير كالنحو بالنسبة للنطق العربي والكتابة العربية. فكما أن النحو ميزان يضبط القلم واللسان…فكذلك قواعد التفسير هي ثوابت وموازين تضبط الفهم لكلام الله عز وجل وتمنع المفسر من الخطأ في تفسيره." وهذا في الحقيقة هو دور علم أصول التفسير.
ثم المؤلف يشير إلى الفراغ الذي تعرفه المكتبة القرآنية في الموضوع فيقول مستغربا:" والعجب كل العجب أن أهل الفن والصناعة (يقصد علماء التفسير) على كثرتهم واختلاف عصورهم لم يولوا هذا الأمر – أعني قواعد التفسير- عناية تجدر به وهو لها أهل وبصرفها حقيق، مع شدة الحاجة إليها وخطر الخلط في فهمها."
وهذا النص الأخير أشبه ما يكون بما قاله الطوفي من قبل:"فإنه لم يزل يتلجلج في صدري إشكال علم التفسير."
ثم ينقل خالد بن عثمان السبت عن غيره ما يدل على هذا الأمر قائلا:" ولقد أصاب كثيرا من الحقيقة من قال:" العلوم ثلاثة: علم نضح وما احترق وهو علم الأصول والنحو، وعلم لا نضح ولا احترق وهو علم البيان والتفسير، وعلم نضج واحترق وهو علم الفقه والحديث".
¥