تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لا جدال في أن علم البلاغة إنما قام أساسا لبيان إعجاز القرآن الكريم، ولذلك فإن المادة التفسيرية في كتب البلاغة مفيدة جدا في موضوعنا، ذلك أنها تناولت بالدرس – فيما تناولت- وجوه دلالة القرآن من حيث الحقيقة والمجاز، وظاهر اللفظ وباطنه، وقضايا الإنشاء والخبر، ووجوه الفصل والوصل والقصر والاختصاص، والحذف والتقدير، وأصول إدراك الخطاب القرآني …الخ.

وكل ذلك ونحوه يعتبر مادة صالحة لبناء القواعد، وتأصيل الضوابط التي يمكن أن تكون قوانين لغوية لوجوه فهم القرآن، يعتمد عليها عند التفسير ويرجع إليها عند الخلاف لتكون حكما في تمييز الفهوم صحيحها من سقيمها.

الخلاصة أن المادة النظرية لعلم أصول التفسير تتوزعها مجموعة من العلوم منها ما سبقت الإشارة إليه ويلحق بها كتب النحو وكتب اللغة عموما التي تعد من المصادر الأساسية لمادة البحث لصلتها الوثيقة بالنص القرآني، ويمكن الاستئناس كذلك بكتب المنطق.

5 - الكتب المؤلفة في الموضوع:

والمقصود بها الكتب التي تحمل نفس العنوان:" أصول التفسير" أو عنوانا قريبا منه مثل:" قواعد التفسير" أو " مبادئ التفسير"… وهي كتب في صميم الموضوع.

وهذه سنعود إليها بشيء من التفصيل، وحسبنا هنا الإشارة إلى:

1 - إن هذه الكتب تعمها فوضى اصطلاحية، وعدم وضوح رؤية. فماذا نسمي هذا العلم: أهو أصول التفسير؟ أم قواعد التفسير؟ أم مبادئ التفسير؟ أم ماذا؟

2 – فإذا تجاوزنا القضية الاصطلاحية، على أهميتها، نجد تضاربا واضحاً في المراد بأصول التفسير.

و هذا يظهر من خلال التتبع لمباحث وفصول أغلب هذه الكتب المؤلفة،فهي غير محكومة بمنهج واحد، كالذي نجده مثلا في كتب أصول الفقه. وهذا إنما يرجع إلى غياب بناء لعلم أصول التفسير يلتزم كل باحث في مجاله به.

وغياب البناء كاف وحده لكي يكون مسوغا لما نود القيام به، فكيف إذا علمنا أن المادة في حد ذاتها غير واضحة في هذه الكتب، وهو الذي جعلها تتضارب في المضامين حتى صار لكل كتاب نظرة خاصة بصاحبه لأصول التفسير.

فهناك بلا شك فراغ في هذا الموضوع من نواح عدة تجعل الباحث ينطلق فيه من اللبنات الأولى في البناء وتلك حال الدرس الإسلامي، كما يقول أحد السالكين:" نجد لزاما على المقدم على هذا الدرس أن يبدأ ببحثه منذ أوليات الأمور. فالدرس الإسلامي ما يزال حقا بكرا مع خصوبته، وامتداد ساحته، مما يحتم على مرتاد هذا الميدان أن يتعقب جذور الأشياء ويستقصي مصادرها الأولى ما وسعه الجهد…"

أما علم أصول التفسير الذي يحاول هذا البحث بناءه فهو العلم الذي يعمل في التفسير ما عمله أصول الفقه في الفقه، وأصول الحديث في الحديث، أي قانون يضبط العملية التفسيرية، ويصونها من أي شكل من أشكال الانحراف. حتى إذا حصل شيء من ذلك سهل بيانه وكشفه، ومن ثم ضبطه ورده.

ولكون هذا العلم أقرب ما يكون إلى علم أصول الفقه من حيث الغرض والوظيفة، فإننا نتصوره على الشكل التالي:

لابد في هذا العلم أولا من تحديد مصادر التفسير التي ينطلق منها المفسر، مع بيان حجيتها،ودرجتها،و رتبتها. بما يحقق الضبط والإحكام لعمل المفسر. فلا ينتقل مثلا إلى مصدر لاحق وفي السابق ما يغني، خاصة عند التعارض…كأن يستشهد في تفسير آية ببيت من الشعر يخالف ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في معنى نفس الآية.

ثم لا بد في هذا العلم من تحديد قواعد التفسير التي تضبط التعامل مع مصادره من ناحية، ومع النص القرآني نفسه من ناحية أخرى.

ثم لا بد في هذا العلم أيضا من مباحث تتناول " المفسِّر " تحديدا، وشروطا، كما هو الحال في المباحث التي تتناول المجتهد عند الأصوليين، فتحدد مفهوم المجتهد وشروطه …

ولا ينقص بناء بهذا الشكل، في تصورنا، إلا نظرة شمولية متفحصة للنص القرآني تستقرئ مراد الله تعالى من خلال تتبع مختلف آي الكتاب وسوره، ليقوم بعد ذلك ما نصطلح عليه " مقاصد المفسَّر".

وبقدر فهمنا لمقاصد المفسَّر بقدر ما تسلم اتجاهاتنا في التفسير ويسلم الحكم عليها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير