ففي القصص القرآني مثلا، بقدر فهمنا للمقصد من إيراد القصص، والذي دل عليه بشكل مجمل قوله تعالى: (وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمومنين) بقدر ما نبتعد عن كل التفاصيل التي لا تخدم هذا الغرض، والتي كانت مدخلا من مداخل الإسرائيليات… والإعراض عن التفاصيل التي لا تخدم الغرض المذكور هو ما توحي إليه الآية الكريمة في شأن عدد أصحاب الكهف مثلا: (قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا).
فتكون الخلاصة أن هذا العلم نتصور أنه يتركب من:
1. مصادر التفسير.
2. وقواعد التفسير.
3. وشروط المفسِّر.
4. و مقاصد المفسَّر.
وهذه الأخيرة بالشكل الذي نتصوره أقل هذه المباحث اهتماما بها.
فمصادر التفسير، وقواعده وشروط المفسِّر إن افتقدت كليا للبناء التقعيدي، فقد كتب فيها بهذا المعنى أو ذاك، ما يعد منطلقات أولى لبنائها بالشكل الذي يقتضيه البناء.
أما مقاصد المفسَّر فلم يكتب فيها إلا النادر القليل، مما يفرض استخراج مادتها أولا، حتى تستوي وأخواتها أو تكاد. ثم لتأخذ موقعها من البناء الكلي في إطار التصور الشمولي للموضوع.
ولأن الأمر بهذه الصعوبة فقد تعذر ذلك في هذه المرحلة و إنَّا لنرجو أن يتيسر لنا أو لغيرنا الكشف عن هذه المقاصد حتى يستوي هذا البناء أو يقترب من ذلك.
أما في هذه المرحلة فكان الاقتصار على الأركان الثلاثة وهي:
1. مصادر التفسير.
2. قواعد التفسير.
3. شروط المفسِّر.
وهذا البحث يقصد إلى استخراج هذه المباحث من مظانها،وتنقيح ما استخرج منها مما علق بها وليس منها، ثم تركيبها في بناء نظري. مسهمين بذلك في إبراز علم نفيس يخدم كتاب الله تعالى" ونحن بذلك نبين أهمية البحث فيه، وندعو أن يعطى من العلماء والباحثين عناية أكبر… ينبغي أن تقبل الطاقات الفعالة نحوه، وأن تعمل فيه المواهب الممتازة، تنميه و تسهم في إثرائه". وكذلك نمت العلوم وتطورت وعلم أصول التفسير لن يكون استثناء " ولا تزال العقول والأذهان تعمل عملها فيه إنضاجا وبحثا وتحريرا حتى يستوي على سوقه".
وطبيعة الموضوع تحتاج إلى جهود، ولا يفي بحقه جهد واحد ضعيف الزاد مثلي، وما قدمته فيه مهدت به الطريق الوعر لمن أراد سلوكه، وحسبي أني أحببته وآمنت به وتفاعلت معه جهد المستطاع، وبذلت فيه وسعي، مواصلا فيه الليل والنهار صابرا محتسبا وما توفيقي إلا بالله.
وإذا كان ابن الجزري يوجه من أراد التصنيف" أن يبدأ بما يعم النفع به وتكثر الحاجة إليه بعد تصحيح النية، والأولى أن يكون شيئا لم يسبق إلى مثله" فإني أرجو أن أكون ساهمت في ما أعتبره إضافة للمكتبة القرآنية.
أما ما تيسر جمعه من هذا العمل فقد جعلته في فصول أربعة مع مقدمة وخاتمة.
الفصل الأول: تناولت فيه مفهوم التفسير و أصول التفسير وذلك من خلال مباحث ثلاثة:
المبحث الأول: في مفهوم التفسير والتأويل لغة واصطلاحا وما قيل في التمييز بينهما أو عدم التمييز.
المبحث الثاني في مفهوم أصول التفسير، عرضت فيه لأشهر الاطلاقات التي استعمل فيها المفهوم، إذ يطلق أصول التفسير ويراد به مصادر التفسير، ويطلق ويراد به قواعد التفسير، ويراد به غير ذلك… ثم خلصت إلى تقديم مفهوم لأصول التفسير.
المبحث الثالث تناولت فيه العلاقة بين علم أصول التفسير وبعض العلوم القريبة منه أو المشاركة له. وهكذا أثرت العلاقة بين علم أصول التفسير وعلوم القرآن، وبينه وبين علم أصول الفقه، وبينه وبين قانون التأويل، وأخيرا بينه وبين الهرمنيوطيقا.
الفصل الثاني: تناولت فيه مصادر التفسير. وبعد تمهيد في مفهوم هذه المصادر قسمتها إلى سبعة مباحث:
المبحث الأول: في تفسير القرآن بالقرآن تناولت فيه حجية هذا المصدر وأوجهه ودرجته وموقع القراءات القرآنية والرسم القرآني منه وختمته بالحديث عن تفسير القرآن بالقرآن عند المفسرين.
المبحث الثاني: في تفسير القرآن بالسنة تناولت فيه أيضا حجية هذا المصدر وأوجهه ودرجته، كما تناولت فيه المقدار الذي فسره النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن.
¥