بالمختصر أنا مع تنقية كتب التفسير من الإسرائيليات لأنها كتب يتلقاها العامة متبعين متعبدين لا يميزون بين الصحيح والسقيم
ـ[فيصل القلاف]ــــــــ[10 Nov 2004, 11:12 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أخي الفاضل جمال الشرباتي جزاه الله خيراً، لعل عبارتي قصرت عن البيان، فأعيد ما كنت ذكرت بشيء من التوضيح، والله أسأل أن يبصرنا الحق ويشرح له صدورنا، إنه سبحانه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
حكم أخبار أهل الكتاب - أخي - له اعتباران، اعتبار الرواية، واعتبار الحجية.
فأبدأ بحكم رواية أخبار أهل الكتاب التي تسمى الإسرائيليات.
فالنص فيها واضح جداً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: (وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج). ونفي الحرج يخرج الحكم عن أن يكون حراماً، ويخرجه عن كونه مكروها الأمر، إذ لا يأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمكروه، فهو مباح مستوي الطرفين في الأصل.
ثم قد يترجح للعالم أن يروي عنهم في حال لمصلحة ما، وقد يترجح له ترك الرواية عنهم في حال أخرى لمفسدة ما، أما مجرد الرواية لذاتها فهي مباحة.
وهذا إن شاء الله الله تعالى واضح لا إشكال فيه.
ثم حكم أخبارهم من حيث الاحتجاج وعدمه، فلا يمتري مسلم أن أخبارهم ليست بحجة مطلقاً، لا في التفسير ولا في الفقه ولا في العقائد ولا في شيء. وكيف يحتج بها وقد فقدت أسهل شروط الصحة، فلا ناقلها عدل ولا سندها متصل ولا يعلم لها مخرج؟!
وفي هذا الاعتبار قال صلى الله عليه وآله وسلم لعمر رضي الله عنه: (أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟! والله لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي). فهو صلى الله عليه وآله وسلم لا يتكلم هنا عن حكم الرواية، وإنما يتكلم عن حكم الاحتجاج والاتباع، كما هو ظاهر. فكأنه يقول: إذا كان موسى – وهو النبي الذي عليه نزلت التوراة – إذا كان حياً وجب على اتباعي، وحرم عليه اتباع التوراة لزوماً، فأنت يا عمر أولى بذلك الوجوب وهذا التحريم منه.
وبهذا فلا معارضة بين الحديثين، ولا يصح أخذ أحدهما واطراح الآخر.
بل كل حديث ينزل على الحال التي قيل فيها، واحد في حكم الرواية، وآخر في حكم الاحتجاج. والله سبحانه أعلى وأعلم بمراد نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.
هذه الأولى.
والمسألة الثانية وهي متفرعة على ما استقر – إن شاء الله – من جواز رواية أخبار أهل الكتاب، وهي: هل الأفضل روايتها أو ترك روايتها؟!
فلعل الأمر كما قيل: (وكل خير في اتباع من سلف). وقد رأينا سلفنا الصالح الذين زكاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)، رأيناهم يروون أخبار أهل الكتاب لا يرون بذلك بأساً.
وقد مر في المقال السابق شيء من المصالح المستفادة من أخبارهم.
وأكرر هنا أنا لا نرويها احتجاجاً بها، بل استئناساً، كما يذكر أهل العلم شيئاً من قصص الأدباء وحكايات الحكماء وقصائد الشعراء، لا يحتجون بشيء من ذلك ألبتة، وإنما يستأنسون ويقربون الأمور للأفهام، ويلتمسون عظة وحكمة.
وأعجبني ما قلتَ مشكوراً: (فهمي أنه لا حرج في رواية حكاياتهم كحكاياتٍ، لا كدين نفسر بواسطتها نصوص القرآن. اعني ارووا عنهم ما شئتم، ولكن ليس في مجال الاتباع أو فهم ما لدينا بحسبها). وهذا عين الذي أريد، وزبدته:
1. الرواية لا بأس بها.
2. لا يحتج بشيء من أخبارهم في فهم نص ولا في حكم ولا في غيرهما.
3. نذكرها للاستئناس والحكمة ونحوها.
بقي مسألة – وأمرها هين ما إن اتفقنا على ما مر – وهي ذكر الإسرائيليات في كتب التفسير. فلعل الأولى - والله أعلم – في هذا ونحوه اتباع ما سار عليه أهل العلم، لا سيما وقد كان عليه السلف رضوان الله عنهم، ومع ذلك ففيه من الفوائد ما مر ذكره. وذلك هو ذكر الإسرائيليات روايةً لا احتجاجاً.
أما ما اعترضتَ به أخي بارك الله فيك من الذي يخشى على العوام من عدم التمييز، فيمنع من ذكر الإسرائيليات، فلعلي أناقشه.
ذلك أن العوام لا يترك سبيل العلماء لأجلهم، وما يخشى عليهم من زلل يزول بإفهامهم من غير التخلي عن طريق العلماء.
وهكذا نرى اليوم - نحواً من هذا - موت كثير من السنن بدعوى مراعاة العامة، مع أن العامة لو تعلموا وبين لهم ما احتجنا لقتل تلك السنن. والأمر كما قال بعضهم: نرتقي بالعوام إلى الدعوة الصحيحة ولا نهبط بالدعوة إليهم.
ثم لو فتحنا هذا الباب لمنعنا من ذكر ما شابه الإسرائيليات في الاحتجاج من قصص وأدبيات وأشعار وحكايات، فكلها لا يحتج به، ويخشى على العوام أن يحتجوا بها. وإن بعد احتجاجهم بمثل هذه مع كون أكثرها عن العلماء الكبار، فاحتجاجهم بالإسرائيليات أبعد لكونها منقولة عن الكفرة.
هذا، والله أعلى وأعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
ـ[جمال حسني الشرباتي]ــــــــ[11 Nov 2004, 11:16 م]ـ
السلام عليكم
ليس بعد كلام الأخ فيصل كلام إلا الميل
فأنا لا أميل لوضع حكايات أهل الكتاب في مصادرنا مطلقا