فالفعل المنسوب إلى سليمان عليه السلام هنا سماه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا بأس) به. وبالتالي فليس فيه ما يقدح به في الأنبياء عليهم السلام. وليس استنكار الأنفس لأمر أقره الشرع بمعتبر، إذ لا يعدو هوى خاطئاً.
هذا كله لو أنا سلمنا أن الساق كانت من العورة في شرع سليمان عليه السلام، ولا دليل على ذلك، ولا مانع منه.
ولعله قريب من هذه القصة ما صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه بال في سباطة قوم واقفاً، كما رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني رحمهما الله تعالى. وهذا الفعل مما يستنكر اليوم أشد الاستقباح، بل لعل بعض المجتمعات تعده خارماً للمروءة!! وما هذا منهم إلا جهل بدين نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم. ولا يقدح استقباحهم فعلَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه، بل يقدح فيهم أن جهلوا دينهم. وكما قال المتنبي رحمه الله: (ومن يك ذا فم مريض .. مراً يجد فيه الماء الزلالا). والله المستعان، وإياه أسأل أن يفقه المسلمين في دينهم.
وكذا غير هذا من المسائل الكثيرة، كاستكبارهم أن يرى الرجل مخطوبته، وقد أمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكاستكبارهم أن يقلل الرجل مهر ابنته، وقد حث عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكاستكبارهم أن ترث المرأة من العقار، وغير ذلك مما لا يخفى.
فإذا عرفنا أن القصة ليس فيها ما يوافق شرعنا ولا ما يخالفه، كان حكمها التوقف فيها، لا تُصدّق ولا تُكذّب.
ثم الثالث، موقف العلامة ابن كثير من الأصلين في هذه القصة:
أما الأصل الأول، فقد روى عنهم، وهذا مما أجاز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فلا شيء عليه فيه. وليس هو رحمه الله بخير من الصحابة الذين رووا عنهم.
أما الأصل الثاني فقد بين رحمه الله تعالى بطلان هذه القصة - عنده - وردها. فجزاه الله عن ديننا خير ما جزى عالماً عن أمته.
فليس - بإذن الله - على الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى شيء، بل لعل له في نقله هذا أجر كما سيتضح فيما يأتي إن شاء الله تعالى.
وأختم الكلام بمسألة هامة جداً، وهي: ما الحكمة من أن يروي العلماء في تفاسيرهم وكتبهم قصص أهل الكتاب، مع كونها غير محتج بها؟!
والجواب على ذلك، أن في ذلك فوائد، منها:
1. أن في قصصهم من تسمية المبهمات وتفصيل المجملات وبسط المختصرات شيء كثير تتوق لمثله النفوس. وهذا يذكرونه استئناساً لا احتجاجاً. ونحو هذا ذكرهم بعض المسائل الطبية أو الفلكية، أو حتى الأحاديث الضعيفة أو المراسيل ونحوها، وإن كانا أقوى بمراحل من الإسرائيليات، لكن الكل لا يحتج به وإنما يستأنس. وهذا كله فيما تتشوق له النفوس، ولا يضر جهله ولا ينفع علمه، كما قال شيخ الإسلام رحمه الله في مقدمة التفسير.
2. أنهم كثيراً يذكرونها بياناً لبطلانها نصيحة للأمة، وذلك كما قال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجماً بالغيب) وغيرمن الآيات كثير، فيها نقل عن أهل الكتاب لإبطال أكاذيبهم.
3. أن في قصصهم بيان معتقداتهم الفاسدة، وذلك يبين للمسلمين ما استحقوا به الكفر واللعن، ويدفعهم لبغضهم في الله، إذ ليس من رأى كمن سمع.
4. في كثير من قصصهم مواعظ وحكم، يستفاد منها كما يستفاد من حكم الشعراء والأدباء وكبار السن ونحوهم، لا على سبيل قبول الرواية وتصديقها، ولا على سبيل الاحتجاج بها ولا الاستئناس، ولكن للعبرة والعظة.
وغير ذلك.
وبهذا تم، والله أعلى وأعلم، وأستغفر الله مما قد يكون زل به القلم [وهنا لا قلم، وإنما لوحة مفاتيح (!)].
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
ـ[جمال حسني الشرباتي]ــــــــ[08 Nov 2004, 07:30 م]ـ
الأخ فيصل
لدي نقطة أرجو ان يتسع صدرك لبحثها وهي أن قوله عليه الصلاة والسلام ((وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج) معارض لفعله عندما مزق صحف التوراة التي كانت بين يدي سيدنا عمر
وقال حينئذ ((والله لوكان اخي موسى حاضرا لاتبعني) أو كما قال
والقاعدة الشرعية تنص على أن الأولى إعمال النصين من ترك أحدهما
فهل تقبل فهمي أنه لا حرج في رواية حكاياتهم كحكايات لا كدين نفسر بواسطتها نصوص القرآن
اعني أروا عنهم ما شئتم ولكن ليس في مجال الإتباع أو فهم ما لدينا بحسبها
¥