تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وعند الحديث عن مسألة كهذه ينبغي أن يرجع لأدلة الشرع، فهل ثبت ما يدل على بعث نبي من البادية، وأرى أن تعلق المسألة بالنصوص، لا بالحكمة من عدم البعث من البادية، بمعنى أن لا نجعل جفاء أهل البادية علة لعدم إرسال الله الرسل منهم، فالجفاء وصف ذميم بلا شك، ولكنه ليس بمطرد في كل من بدا، والآية أشارت إلى أن يعقوب وأبناءه كانوا في البدو ـ في فترة ما ـ فلا يعني ذلك أنه عليه السلام قد جفا ...

ثم بعد ذلك ليس وصف البداوة ـ الذي يلزم منه الجفاء ـ وصف وراثي فقد يكون الجد حضرياً والحفيد بدوياً فلا يمنع ذلك جفاء من بدا، بل قد يكون الأب بدوياً ثم يتمدن أبناؤه، فليس الجفاء صفة موروثة بل هي متعلقة بأسباب منها البداوة ...

وعلى ذلك فها هي الآية تشير إلى نبي كريم بدا جزءاً من حياته (وجاء بكم من البدو) ولا أصرح منها، وأنت تعلم رحمة يعقوب عليه السلام وبعده كل البعد عن جفاء أهل البادية ..

فينبغي أن نعلم ذلك قبل الإثبات أو النفي لكونه عليه السلام بدوياً وهل هو بدوي الأصل أو أنه عاش تلك الحياة فترة ثم رجع لحياة القرى والمدن ..

وأما النصوص فقد قال الله تعالى في سورة يوسف التي ذكر فيها الآية السابقة: (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم من أهل القرى) [109].

قال ابن كثير: "المراد بالقرى المدن، لا أنهم من أهل البوادي الذين هم من أجفى الناس طباعاً وأخلاقاً".

أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة - رضي الله عنه - في قوله: (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى) قال: "ما نعلم أن الله أرسل رسولا قط إلا من أهل القرى لأنهم كانوا أعلم وأحكم من أهل العمود". (الدر المنثور:4/ 595).

وقد قرر كثير من العلماء هذا المعنى عند هذه الآية انظر إلى المحرر الوجيز لابن عطية حيث قال عن أهل البادية: " قال القاضي أبو محمد فإنهم قليل نبلهم ولم ينشىء الله فيهم رسولا قط. وقال الحسن: لم يبعث الله رسولا قط من أهل البادية ولا من النساء ولا من الجن ".

وقال القرطبي: " ولم يبعث الله نبيا من أهل البادية لغلبة الجفاء والقسوة على أهل البدو ولأن أهل الأمصار أعقل وأحلم وأفضل وأعلم ".

وقال السعدي في سورة البقرة: " فائدة كما يجب على المكلف معرفته بربه فيجب عليه معرفته برسله ما يجب لهم يمتنع عليهم ويجوز في حقهم ويؤخذ جميع ذلك مما وصفهم الله به في آيات متعددة منها أنهم رجال لا نساء من أهل القرى لا من أهل البوادي وأنهم مصطفون مختارون جمع الله لهم من الصفات الحميدة ما به الاصطفاء الاختيار ... " (1/ 110).

وبعد تقرير ذلك أجاب العلماء عن تعارض ذلك مع قوله تعالى: (وجاء بكم من البدو) فأجاب ابن عطية بجوابين:

أحدهما أن ذلك البدو لم يكن في أهل عمود بل هو بتقر في منازل وربوع.

والثاني أنه إنما جعله بدوا بالإضافة إلى مصر كما هي بنات الحواضر بدو بالإضافة إلى الحواضر.

وذكر الآلوسي جواباً ثالث فقال: وزعم بعضهم أن يعقوب عليه السلام انما تحول الى البادية بعد النبوة لأن الله تعالى لم يبعث نبيا من البادية.

إضافة لما ذكره الشيخ أحمد البريدي وضعفه الشوكاني.

والمسألة تحتاج لمزيد بحث ونظر في السنة.

والله أعلم ...

ـ[خالد السعدون]ــــــــ[03 Apr 2008, 05:37 م]ـ

بارك الله فيكم ...

وهل ثبت من الصحابة من بدا؟!!!

ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[03 Apr 2008, 06:57 م]ـ

ألا يمكن أن تفهم الآية على أن يوسف عليه السلام كان يذكر نعم الله عليه وعلى أهله، بأن نقلهم من مقر إقامتهم الحالي (وهو البادية) إلى مكان أفضل منه (وهو مصر)، بدون أن يكون لذلك علاقة ذات قيمة علمية بأصل استقرار يعقوب عليه السلام وأبيه وأبنائه؟

أما القول (هل ثبت ما يدل على بعث نبي من البادية) فيقابله سؤال آخر (هل ثبت ما يدل على أن الله لم يبعث سوى أنبياء في الحضر؟)، وهذا الأمر يستلزم معرفة سيرة جميع أنبياء الله، وهم بالآلاف، ويبدو أنهم توزعوا على كامل بقاع الأرض.

وأما معنى من (أهل القرى) في قوله تعالى: (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى)

ألا يمكن أن يكون مقصود (أهل القرى): التجمعات البشرية المعتبرة، أيا كان موقعها الجغرافي، وطبيعة حياتها؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير