ـ[فيصل القلاف]ــــــــ[15 Nov 2004, 10:24 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أما وقد ذكرت الذي يوجب البيان أخي، فإني إن شاء الله تعالى أبين، ويعلم الله أني ما أحببت أن يطول نقاش في مثل هذا، لوضوحه أولاً، ولبعده عن سير مواضيع هذا المنتدى المبارك ثانياً.
فأهل السنة أخي لفظ شريف، يستطيع كل أحد أن يدعيه في نفسه، والشأن كما قال الأول:
كل يدعي وصلاً بليلى .. وليلى لا تقر لهم بذاكا
إذا اشتبكت دموع في جفون .. تبين من بكى ممن تباكى
وكما قال غيره:
والدعاوى إن لم تقم عليها .. بينات أصحابها أدعياء (أو كما قال).
فمصطلح (أهل السنة) مركب من مفردين: الأول (أهل) والثاني (السنة). ومعنى المركب يعرف بمعرفة جزأيه وبمعرفة النسبة بينهما، وهذا بيانه والله الموفق:
الإضافة بينهما إضافة معنوية بتقدير (اللام) أي (أهل للسنة) واللام فيها للاختصاص، والله أعلم. فأهل السنة، هم الذين اختصوا بالسنة، ولا أعني بالاختصاص المعنى العرفي (الذي هو الاشتغال والتبحر) إنما اللغوي (الذي هو التعلق).
بقي أن نعرف معنى كل مفرد.
فكلمة (أهل) تأتي بمعنين:
الأول: الملازمة والقرب، كما قال تعالى: (إنا مهلكوا أهل هذه القرية) أي سكانها لأنهم الملازمون لها. وتقول: (فلان من أهلك) لقرابته منك.
والثاني: الكفء والمستحق، كما قال تعالى: (وكانوا أحق بها وأهلها) وكما تقول: (فلان أهل لهذا المنصب) أي كفء له.
وكلمة (السنة) هنا يراد بها الطريقة التي كان عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه في العقائد والأعمال ومناهج تلقي الشرع والأحكام. ولهذا نراهم يتسمون بأهل الحديث وأهل الأثر، وغيرها من المعاني التي تؤدي ذات المعنى.
وبهذا يتضح المعنى، أهل السنة هم الملازمون لها في الاستدلال، الذين لا يقدمون بين يدي الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً ثم العارفون لها المطلعون عليها. فالشطر الأول (التمسك بالسنة) مقتضى المعنى الأول، والثاني (المعرفة بالسنة) مقتضى الثاني. والله أعلم.
ثم نأتي الآن إلى التطبيق: هل الأشاعرة هم أهل السنة؟
أولاً: هم يقدمون العقل على النقل كما صرح به أئمتهم كالرازي وغيره. بل يردون من السنة أكثرها وهو الآحاد. بل حتى المتواتر عندهم لا يفيد اليقين لأنه دليل لفظي، كما صرح به الرازي.
ثانياً: عقائدهم ومناهج تلقيهم للنصوص وطرائق استنباطهم لها لا تتفق مع طريقة الصحابة والنبي صلى الله عليه وآله وسلم. وبهذا صرح من تاب منهم كأبي الحسن الأشعري وأبي المعالي الجويني والرازي وغيرهما رحم الله الجميع.
ثالثاً: هم يستمدون عقائدهم من علم الكلام، وليس من السنة! فكيف يكونون أهل السنة؟!
ثم نأتي إلى من سميت وغيرهم من أهل العلم هل هم أشاعرة؟
أما الرازي والغزالي ونحوهما فلا شك في كونهم أشاعرة (وجاء أنهم تابوا قبل الممات ورجعوا عن الأشعرية إلى طريقة أهل السنة).
أما الأئمة الحفاظ البيهقي والنووي وابن حجر ونحوهم من أهل الحديث رضي الله عنهم، فليسوا بأشاعرة، وإنما سقطوا في زلات وقع فيها الأشاعرة، وذلك بسبب ظروف المجتمع الذي نشؤوا فيه. ومعلوم أن ليس كل من وقع في البدعة وقعت البدعة عليه، لما يكون له من العذر، والحمد لله.
والفرق الكبير بين النوع الأول من المتكلمين والنوع الثاني من الفقهاء والمحدثين أن الأوائل فسدت فروعهم بفساد أصولهم، حيث جعلوا مصدر العقيدة علوم الكلام والفلسفة، بينما القسم الثاني أصوله سليمة لكن أخطأ في تنزيل الأصل العام على الفرع الخاص، فمصدر عقائدهم ودينهم الكتاب والسنة. وهذا واضح جداً في مؤلفاتهم رحمهم الله تعالى.
ثم إن أئمة أهل السنة أخي هم السلف رضوان الله عليهم من لدن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة ثم أئمة التابعين كابن سيرين وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب ثم من بعدهم كالزهري والأوزاعي ثم مالك وابن عيينة ثم الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو حاتم ثم أبو داود والبخاري ثم الدارمي وابن جرير، هؤلاء هم الأئمة الذين صفا دينهم من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وأفنوا أعمارهم في الأثر، ليس الأئمة من خلطوا الوحيين بالفلسفة وكلام المناطقة ثم أفنوا أعمارهم في قيل وقال. والله المستعان.
هؤلاء أخي هم أهل السنة إسنادهم متصل، لم يبتدع طريقتهم رجل، ولم ينتسبوا إلى رجل. ولترى آلأشاعرة أهل سنة انظر كتب السنة التي دونها السلف، انظر السنة لابن أبي حاتم والسنة لابن أبي عاصم وكتاب الإيمان للبخاري وكتاب السنة لإمام أهل السنة الإمام أحمد وصريح السنة لابن جرير الطبري وتفسير الطبري ورد الدارمي على بشر المريسي وغيرها. انظر ذلك ثم قارن أقوالهم بأقوال الأشاعرة.
وأذكر أخيراً بأن مصطلح (أهل السنة) قد يطلق توسعاً ويراد به كل من خالف الرافضة في عدالة الصحابة، فيدخل بهذا الاعتبار الأشاعرة والماتريدية وغيرهم. لكن المعنى الأول هو الذي تكلم به السلف، وهو المعنى الأدق. والحمد لله على الإسلام وعلى السنة.
هذا، وإني باسط الموضوع إن شاء الله تعالى في حين ميسرة، والله أعلى وأعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.