لقد كان الإنسان خلال مرحلة طويلة من حياته قادرا على أن يتحرر من كبره و عصبيته و عناده و أن يختار لنفسه الانقياد لقرار عقله إذ لم يكن العقاب الرباني العاجل قد حل بعد , و لكنه أصر .. ثم أصر .. ثم أصر .. فلما ثابر على هذه الحال و أصر إصراره نزل به عقاب الله و حكمه فقطع روافد الهداية عن عقله و طبع على قلبه و غلفه بالران فلا العقل يعي و لا القلب يرق و يتأثر. و كأن الله يقول له: ما حاجتك إلى هاتين النعمتين و أنت لا تستعملهما إلا لحظوظ نفسك و إشباع كبريائك. فها أنا بقضاء عادل مني أحول بينك وبينهما فلن ترقى بهما بعد اليوم إلى سدة الهداية و الرشد و هذا معنى قوله عز وجل " واعلموا أن الله يحول بين المرء و قلبه " أي عندما يشاء عز وجل وو إنما تسير مشيئته طبق هذا القانون الذي ألزم به ذاته.
وأليك هذه الحادثة التي تبرز جانبا عمليا واضحا من هذه السنة الإلهية التي لا يلحقها خلف.
أستاذ جامعي ذو ثقافة واسعة كان دأبه التباهي بانحلاله و ابتعاده عن ضوابط الدين و قيمه. ولم يكن يقابل تذكرة الناصحين و المذكرين له إلا بالتعالي و السخريةة .. توفي قريب لصديق له فدخل داره معزيا مع زميل له. وما كاد يجلس مع الجالسين في قاعة العزاء و تطرق سمعه آيات من كتاب الله تعالى يتلوها القارئ حتى همس في أذن زميله قائلا: قم .. قم .. فإن هذا الكلام الذي أسمعه يكاد يغير لي فكري .. و هب فقام منصرفا لا يلوي على شيء.
أليس هذا من الغرابة بمكان؟ هل هناك من يعادي عقله فيفر من نصائحه و أحكامه؟
أجل هناك من يعادي عقله في مجال الهداية و اتباع سبيل الرشد و هم أولئك الذين حاق بهم مقت الله و أنزل بهم عقابه العاجل فضرب بينهم و بين عقولهم بحاجز و أفقد سلطانها على نفوسهم فكانوا مظهرا دقيقا لقوله عز و جل: " إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه و في آذانهم وقرا وو إن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذن أبدا " الكهف 57. " و لقوله عز و جل " و لاتطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا و اتبع هواه و كان أمره فرطا " الهف 28. و لقوله تعالى " و عرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا الذين كانت أعينهم في غطاء عنن ذكري و كانوا لايستطيعون سمعا " الكهف 100 - 101.
اهـ
أكتفي بهذا القدر على أمل أن يكون الأمر قد انجلى إلى أختنا زينب - وفقها الله -
اللهم فقهنا في الدين و علمنا التأويل
ـ[الهام]ــــــــ[21 Nov 2004, 04:45 م]ـ
کانت التوضحات وافيه وکامله
الان ما العلاقه بين هذا التفسير الذي قلت وقسم الاول لهو استجيبوا ...
ـ[أبو زينب]ــــــــ[22 Nov 2004, 09:08 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
يقول الحق سبحانه " يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله و للرسول إذا دعاكم لما يحييكم. و اعلموا أن الله يحول بين المرء و قلبه. "
أكثر الفقهاء على أن ظاهر الأمر للوجوب فالأمر هنا للوجوب حتى يكون له معنى و فائدة , صونا للنص عن التعطيل و لأن قوله بعدئذ: " و اعلموا أن الله يحول بين المرء و قلبه. " جار مجرى التهديد و الوعيد وهو لا يليق إلا بالإيجاب.
فيجب بناء عليه امتثال ما أمر به الرسول صلى الله عليه و سلم بجد و عزم و نشاط من أمور الدين عبادة و عقيدة و معاملة.
ومن أعرض عما أمر النبي به من الإيمان و القرآن و الهدى و الجهاد فهو ميت لا حياة طيبة أو روحية فيه. كما قال تعالى: " أو من كان ميتا فأحييناه و جعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها " (الأنعام 122)
و معنى قوله " و اعلموا أن الله يحول بين المرء و قلبه وأنه إليه تحشرون. " بادروا إلى الاستجابة قبل ألا تتمكنوا منها بزوال العقل و القلب: موضع الفكر. قال مجاهد في الآية " يحول " أي حتى يتركه لا يعقل. و المعنى: يحول بين المرء و عقله حتى لا يدري ما يصنع.
فالمقصود من الآية الحث على الطاعة قبل وجود الموانع من مرض و موت مثلا. و الدليل على ذلك ما ختمت به الآية " و أنه إليه تحشرون " أي أسرعوا في العمل و أعدوا العدة ليوم الحشر فإنكم إلى الله مرجعكم و مصيركم فيجازيكم بأعمالكم.
أرجو أن أكون قد وُفقتُ في بيان العلاقة بين الجملتين في الآية.