تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الآية توقف فعل الإنسان على أن يشاء الله له ذلك الفعل.أي مهما عزم الإنسان على فعل أو تصرف ما فلن يتأتى منه ذلك إلا بعد أن يشاء الله أن يقدره و يوفقه لتنفيذ ذلك الفعل. و هذه حقيقة ثابتة لا ريب فيها , سبق أن أوضحناها و ذكرنا الأدلة عليها عند حديثنا عن خلق الله لفعل الإنسان و بيََنََا أن هذه الحقيقة لا تخل بالحرية الثابتة للإنسان .....

غير أنك قد تسأل قائلا: فما الحاجة إلى التذكير بشيء أبرم البيان الإلهي القرار بشأنه عندما أكد منح الله الحرية و المشيئة للإنسان؟ إن هذا القرار الذي أبرمه البيان الإلهي و أكده يوضح أن الإنسان عندما يوجه مشيئته و عزمه إلى شيء فلا بد أن يشاء الله له الفعل المتفق مع مشيئته و عزمه. و من ثم فلا بد أن يخلق في كيانه الفعل الذي اتجه إليه عزمه و قصده. فما الحاجة إلى أن يقول بعد هذا القرار الذي أكده له: إنك لن تستطيع ممارسة التذكرة و وضعها من حياتك العملية موضع التنفيذ إلا إن شئتُ لك ممارسة ذلك و تنفيذه؟

و الجواب أن هذا الكلام هنا سيق مساق التهديد لأولئك الذين ظلوا معرضين عن التذكرة التي تعرفهم و تنبههم و تحذرهم .. فهو يقول لهم: بوسعكم إن شئتم أن تلتفتوا إلى هذه التذكرة و تحفلوا بها و لكن فلتعلموا أن هذا الوسع قد يُحجب عنكم إذا شاء الله ذلك و تطاول أمد استكباركم و إعراضكم .. ترغبون عندئذ في الالتفات إلى هذه التذكرة و العمل بها و لكنكم لا تقدرون على ذلك و لا تجدون سبيلا إليه و هذا من قبيل قول الله تعالى " و اعلموا أن الله يحول بين المرء و قلبه " و من قبيل قوله:" سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق و إن يروا كل آية لا يؤمنوا بها و إن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا و إن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا " و من قبيل قوله:" الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري و كانوا لا يستتطيعون سمعا "

فها هنا تصريح بأن هؤلاء الناس قد حيل بينهم و بين الاستفادة من عقولهم و أسماعهم و قواهم على الرغم من أنهم يتمتعون بذلك كله .. و ذلك بمقتضى عقاب عاجل حاق بهم من الله عز و جل جزاء على إمعانهم في العناد و الاستكبار. وهي سنة ربانية يأخذ الله بها بعضا من عباده ...

و صفوة القول أن المشيئة التي يتمتع بها الإنسان في اختيار تصرفاته و أعماله متوقفة على مشيئة الله أن يكرمه و يمتعه بها. و لما شاء الله أن يمتع عباده بهذه النعمة كانت هي المزية الكبرى التي امتازواا بها عن سائر الحيوانات الأخرى. و غني عن البيان أن الله إن شاء سلب عن عباده هذه المكرمة كما يسلبها فعلا عن أناس حاق بهم غضب الله عز و جل ....

..... أما الإنسان الذي ركل فطرة البحث عن الحق و الرغبة في الركون إليه بقدمه و استسلم لأمواج التربية الجانحة و الضلالات الفكرية الباطلة ثم آثر الانقياد لكبرياء نفسه على الاستجابة لقرار عقله ثم أصر إصراره على أن يستمر على هذا النهج معرضا عن التذكرة و الحوار مستكبرا عليهما آنا و ساخرا بهما و بأصحابهما آنا آخر. فهل من الظلم له أن يطبع الله على قلبه بعد طول تنبيه و تحذير و إنذار كما قد قرر في الآيات التي سبق إيرادها مما يتضمن هذا القانون الرباني؟

وعن هؤلاء العتاة و المستكبرين يقول الله تعالى وهو يصف جانبا من استكبارهم على الحق و سخريتهم به: " و منهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم: ماذا قال آنفا * أولئك الذين طبع الله على قلوبهم و اتبعوا أهواءهم " سورة محمد 16

(* تعليق من الكاتب: أي قالوا ذلك استهزاء و يأتي بعد هذه الآية مباشرة قوله تعالى " و الذين اهتدوا زادهم هدى و آتاهم تقواهم " فانظر إلى دقة المقابلة لتدرك دقة القانون الإلهي)

أجل أعود فأسأل: هل منن الظلم أن يعاقب الله هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم بهذا العتو و الاستكبار فيطبع على قلوبهم و يستلب منها قابلية الهداية نتيجة لما حكموا به على أنفسهم من الظلم لها و الإساءة إليها؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير