ومن المهم أن نعرف أن التضمين مستنبط من كتاب سيبويه – رحمه الله -، وهو الكتاب الذي تفتقت عنه زهرة هذه القاعدة، والنحويون استنبطوها منه، ولم يبتدعوها، ولله الدكتور سليمان خاطر حين قال في أحد بحثيه - نسيت موضعه والله -: " ومن المؤسف أن يكون كتاب سيبويه حقا مشاعا لكل عالم "، وأنا موقفك على مواضع تعرف منها أن النحويين قد استنبطوا هذه القاعدة منه:
قال سيبويه – رحمه الله -: " ولو قلت: هذا ضاربُ عبدِالله وزيدًا جاز على إضمار فعل أي وضربَ زيدا. وإنما جاز هذا الإضمار؛ لأن معنى الحديث في قولك: هذا ضاربُ زيدٍ: هذا ضربَ زيدًا، وإن كان لا يعمل عمله، فحمل على المعنى) الكتاب بتحقيق عبدالسلام هارون 1/ 172
وقال سيبويه – رحمه الله -: " كما أجازوا قولهم: دخلت البيت، وإنما معناه دخلت في البيت " الكتاب 1/ 159
إن ما سبق من الأمثلة تدل على أن سيبويه استخدم التضمين، وإن لم ينص عليه باسمه، وكفيك أنه قال: (حمله على المعنى) أو (لأن معناه)، وهذا كثير في الكتاب.
ويفهم من نصوص سيبويه – رحمه الله – أن التضمين دقيق، بل في غاية اللطافة كما أنه في غاية الخطورة؛ فلو أساء أحد استعماله لأفسد نظام العربية أجمع، ولهذا اختلف النحويون في استعماله:
1 - فلفيف من النحويين جعلوا التضمين سماعيا لا قياسيا، ولا يذهب إليه إلا للضرورة فيما سمع عن العرب وآيات القرآن والحديث الشريف، ويفهم هذا من بعض نصوص الكتاب.
2 - وقوم من النحويين فتحوا الباب على مصراعيه، فضمنوا كلام العرب في سعة الكلام وغيرها، ومنهم أبو علي الفارسي وتلميذه ابن جني، ولذلك عدوا الجملة الاستفهامية الواقعة بعد فعل يتعدى لواحد أنها في محل نصب مفعول به ثان مثال:
عرفت زيدا أبو مَن هو؟
فالجملة الأولى: عرفت زيدًا. فـ (عرف) فعل ينصب مفعولا به واحدا.
والجملة الثانية: أبو مَن هو؟
فالفارسي يرى إعراب جملة (أبو مَن هو؟) في محل نصب مفعول به ثان؛ لأنه ضَمَّن (عرف) معنى (علم)، وأنت خبير أن علم تنصب مفعولين.
3 - وقوم من النحويين جعلوا التضمين في الشعر خاصة، ولهذا ردوا على الفارسي في هذا الإعراب واعتبروا أن الجملة بدلا أو حالا، ومنهم الأصبحي العنابي في الحلل، وهذا الرأي الذي أميل إليه؛ لأننا لو جعلنا التضمين في سعة الكلام لصارت العربية فوضى؛ فكل شخص ينطق بعبارة، وإذا رُدَّ عليه قوله قال: إنما قلت هذا؛ لأنني ضمنته معنى كذا، فتضيع العربية من هذا الباب.
وعلى كل حال تجد تطبيقات كثيرة للتضمين في الحديث الشريف في كتاب (فتاوى في العربية) وهو عدة أحاديث سئل عنها ابن مالك الأندلسي – رحمه الله -، وتجد للتضمين تطبيقات كثيرة في كتاب (إعراب الحديث النبوي) للعكبري – رحمه الله -.
وأسأل الله أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته