قال أبو العباس: وغلطَ أبو الحسن في الآيتين جميعاً ولكن قوله: (واختلاف الليل والنهار وما أنزل اللّهُ من السماء من رزقٍ فأحيا به الأرضَ بعدَ موتهِا وتصريف الرياح آياتٍ لقومٍ يعقلون) وابتدأ الكلام: (إن في السمواتِ والأرضِ لآياتٍ للمؤمنين) (وفي خلقكم وما يبثُّ من دابةٍ آياتٍ لقوم يوقنون واختلاف الليلِ والنهارِ وما أنزلَ اللّهُ من السماء من رزقٍ فأحيا بهِ الأرضَ بعد موتِها وتصريفِ الرياحِ آياتٍ)
بعد هذه الآية وإن جرَّ آيات فقد عطف على عاملين وهي قراءة عطف على (إن) و (في) قال وهذا عندنا غير جائز لأن الذي تأوله سيبويه بعيدٌ وقال: لأن الرد غير الخيل والعقرُ راجع إلى الخيل فليس بمتصل بشيء من الخيل ولا داخل في المعنى
وقال: أما قوله: فليس بآتيكَ منهيها ولا قاصرٌ عنكَ مأمورها فهو أقرب قليلاً وليس
منه لأن المأمورَ بعضها والمنهي بعضها وقربه أنهما قد أحاطا بالأمور وقال: وليس يجوزُ الخفض عندنا إلا على العطف على عاملين فيمن أجازه
وأما قولُهم: ما كلُّ سوداءَ تمرةٌ ولا بيضاءَ شحمة فقال سيبويه: كأنكَ أظهرت كُلَّ مضمرٍ فقلت: ولا كُلَّ بيضاء فمذهب سيبويه أنَّ (كُلَّ) مضمرة هنا محذوفة وكذلك:
أُكَلَّ امْرِىءٍ تَحْسَبِينَ أمرأاً ... ونَارٍ تَوقَّدُ بالليلِ نَارا)
يذهب إلى أنه حذف (كُلُّ) بعد أن لفظ بها ثانية وقال: استغنيت عن تثنيةِ (كلِّ) لذكرك إياه في أول الكلام ولقلة التباسه على المخاطب قال: وجاز كما جازَ في قوله: ما مثلُ عبد اللَّهِ يقول ذاكَ ولا أخيهِ وإن شئت قلت: ولا مثلَ أخيهِ فكما جاز في جمع الخبر كذلك يجوز في تفريقه وتفريقُه أن تقول: ما مثلُ عبد الله يقولُ ذاك ولا أخيه يكرهُ ذاكَ قال: ومثلُ ذلك: ما مثلُ أخيكَ ولا أبيكَ يقولانِ ذلكَ فلما جاز في هذا جاز في ذاك
وأبو العباس رحمه الله لا يجيزُ: ما مثلُ عبد الله يقولُ ذاكَ ولا أخيهِ يكرهُ ذاكَ والذي بدأ به سيبويه الرفعُ في قولكَ: ما كُلُّ سوداءَ تمرةٌ ولا بيضاءَ شحمةٌ والنصب في (وناراً) هو الوجه وهذه الحروف شواذْ فأما من ظنَّ أن من جَر آياتٍ في الآية فقد عطف على عاملين فغلطٌ منهُ وإنما نظير ذلك قولك: إنَّ في الدار علامةً للمسلمين والبيتِ عَلاّمةً للمؤمنينِ فإعادة علامة تأكيد وإنما حسنت الإِعادة للتأكيد لما طال الكلام كما تعاد (إن) إذا طال الكلام وقد ذكرنا هذا في باب إنَّ وأنَّ ولولا أنا ذكرنا التأكيد
وأحكامه فيما تقدم لذكرنا ها هنا منه طرفاً كما أنك لو قلت: إنَّ في الدار الخيرَ والسوق والمسجدَ والبلدَ الخير كان إعادته تأكيداً وحسُن لما طال الكلام فآياتٌ الأخيرةُ هي الأولى وإنما كانت تكون فيه حجة لو كان الثاني غير الأول حتى يصيرا خبرين وأما من رفع وليست (آيات) عنده مكررة للتأكيد فقد عطف أيضاً على عاملين نصب أو رفع لأنه إذا قال: (إنَّ في السّمَوات والأرضِ لآيَاتٍ لْلُمؤمنِينَ وَفي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٍ لقَوْمٍ يُوقِنونَ وَاخْتِلاَفِ اللّيلِ والنَّهارِ وَمَا أَنْزَلَ اللّهُ مِنْ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعدَ مَوْتِها وتَصْريفِ الرِّياحِ آيَاتٍ لقومٍ يَعْقِلُونَ) فإذا رفع فقد عطف (آياتٍ) على الإبتداء وإختلافاً على (في) وذلك عاملان ولكنه إذا قصد التكرير رفع أو نصب فقد زال العطف على عاملين فالعطف على عاملين خطأ في القياس غير مسموعٍ من العرب ولو جاز العطف على عاملين لجاز على ثلاثة وأكثر من ذلك ولو كان الذي أجاز العطف على عاملين أي شاهد عليه بلفظ غير مكرر نحو: (إنَّ في الدار زيداً والمسجدَ عمراً) وعمرٌو غيرُ زيدٍ لكان ذلك له شاهداً على أنه إنْ حكى مثله حاكٍ ولم يوجد في كلام العرب شائعاً فلا ينبغي أن تقبله وتحمل كتاب الله عز وجل عليه.
والله الموفق ... جزاك الله خيرا، هناك إضافات غير مطلوبة في سؤالكم ولكنها للفائدة
يتبع ...
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[24 - 09 - 2010, 09:10 م]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
جزاك الله خيرا
هنا شرح مفصل عن العطف على التوهم للأستاذ الفاضل: أبي العباس المقدسي جزاه الله خيرا.
عطف على التوهم ( http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?49970-%C7%E1%DA%D8%DD-%DA%E1%EC-%C7%E1%CA%E6%E5%E3)
هنا لفتة العطف على المعنى هو العطف على التوهم
والله أعلم بالصواب.
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[24 - 09 - 2010, 09:18 م]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
ملخص:
العطف ثلاثة أقسام:
الأول: عطف على اللفظ وهو الأصل، مثل: ليس زيدُ بقائم ولا قاعد.
الثاني: عطف على المحل، نحو: ليس زيدٌ بقائمٍ ولا قاعداً - بالنصب -.
الثالث: على التوهم، نحو: ليس زيد قائماً ولا قاعدٍ، بجر (قاعد) على توهم دخول الباء في الخبر، ولكل قسم من هذه الأقسام شروط.
من كتاب / مختصر مغنى اللبيب عن كتب الاعاريب
¥