ألا يجوز أن يكون مراد الصبان بقوله: الاختلاس: مجرد عدم الإشباع، أعني: نطق الهاء نطقا طبيعيا، وهو ما يسمى عند أهل التجويد بالقصر الذي هو ضد الوصل؛.
بلى، هذا جائز واحتمال قوي وراجح، والقراء يسمون الاكتفاء بالحركة من غير صلة اختلاس، على اعتبار أن واو الصلة هي حركة الهاء الطبيعية، فيكون ما دونها اختلاس، وهذا مع التجوز في استخدام الحركة لحرف المد، ويحتمل أن يكون أراد الاختلاس الذي هو بعض الحركة المعهودة لقوله: (أو تختلس حركتها بعد متحرك).
قرأ أبو عمرو وحمزة وأبو جعفر وشعبة عن عاصم: " يؤده " بإسكان هاء الضمير فقال الزجاج: هذا الإسكان الذي روي عن هؤلاء غلط، وقال: وأما أبو عمرو فكان يختلس الكسر فغلط عليه. أي أنه كان ينطق ببعض الحركة فظن أنه يسكن.
وقرأ هشام عن ابن عامر، ويعقوب باختلاس الكسر. والاختلاس هنا هو بعض الحركة.
يقول أبو حيان: (وقرأ الجمهور: يؤده، بكسر الهاء ووصلها بياء. وقرأ قالون باختلاس الحركة، وقرأ أبو عمرو، وأبو بكر، وحمزة، والأعمش بالسكون. قال أبو إسحاق: وهذا الإسكان الذي روي عن هؤلاء غلط بيِّن، لأن الهاء لا ينبغي أن تجزم، وإذا لم تجزم فلا يجوز أن تسكن في الوصل. وأما أبو عمرو فأراه كان يختلس الكسرة، فغلط عليه كما غلط عليه في: بارئكم، وقد حكى عنه سيبويه، وهو ضابط لمثل هذا، أنه كان يكسر كسراً خفيفاً. انتهى كلام ابن إسحاق. وما ذهب إليه أبو إسحاق من أن الإسكان غلط ليس بشيء، إذ هي قراءة في السبعة، وهي متواترة، وكفى أنها منقولة من إمام البصريين أبي عمرو بن العلاء فإنه عربي صريح، وسامع لغة، وإمام في النحو، ولم يكن ليذهب عنه جواز مثل هذا.
وقد أجاز ذلك الفراء وهو إمام في النحو واللغة. وحكى ذلك لغة لبعض العرب تجزم في الوصل والقطع.
وقد روى الكسائي أن لغة عقيل وكلاب: أنهم يختلسون الحركة في هذه الهاء إذا كانت بعد متحرك، وأنهم يسكنون أيضاً. قال الكسائي: سمعت أعراب عقيل وكلاب يقولون: {لربه لكنود} بالجزم، و: لربه لكنود، بغير تمام وله مال وغير عقيل وكلاب لا يوجد في كلامهم اختلاس ولا سكون في: له وشبهه إلاَّ في ضرورة نحو قوله.
له زجل كأنه صوت حاد ... وقال:
إلا لأن عيونه سيل واديها ... ونص بعض أصحابنا على أن حركة هذه الهاء بعد الفعل الذاهب منه حرف لوقف أو جزم يجوز فيها الإشباع، ويجوز الاختلاس، ويجوز السكون. وأبو إسحاق الزجاج، يقال عنه: إنه لم يكن إماماً في اللغة، ولذلك أنكر على ثعلب في كتابه: (الفصيح) مواضع زعم أن العرب لا تقولها، وردّ الناس على أبي إسحاق في إنكاره، ونقلوها من لغة العرب. وممن ردّ عليه: أبو منصور الجواليقي، وكان ثعلب إماماً في اللغة وإماماً في النحو على مذهب الكوفيين، ونقلوا أيضاً قراءتين: إحداهما ضم الهاء ووصلها بواو، وهي قراءة الزهري، والأخرى: ضمها دون وصل، وبها قرأ سلام.)
.
لأن إجراء أحكام الهاء ما بين الإشباع والاختلاس (على النحو الذي ذكرتموه) والتسكين يعني أنها لا تنطق نطقا طبيعيا مطلقا، مع أن هذا هو الأصل فيها ..
لعلهم أرادوا جواز ثلاثة الأوجه إضافة إلى الاكتفاء بالحركة دون صلة فتكون الأوجه أربعة.
الثاني: إرجاع الثلاثة أوجه في ما جاءت فيه الهاء بعد حرف علة محذوف إلى اعتبار الأصل أو الحال فيه إشكال، وهو أن التسكين باعتبار أن ما قبلها متحرك إنما هو جار على الاضطرار عند غير بني عقيل وبني كلاب، أليس الأولى أن يقال إن هذه الأحكام خاصة بهذه الهاء دون اعتبار الأصل أو الحال، أو أن التسكين هنا لسبب آخر غير ما ذكر؟.
أما القول بأن التسكين إنما هو جار على الاضطرار عند غير بني عقيل، فقد ورد الرد عليه في كلام أبي حيان، والمعول عليه في ذلك صحة الرواية؛ فإذا صحت الرواية فلا اعتبار لما سواها.
ولعل في قولي (لذا جاز الإشباع والإسكان لاعتبار الحال والاختلاس لاعتبار الأصل.) خللا، وكان أقوم لو قلت: (لذا جاز الإشباع لاعتبار الحال والإسكان والاختلاس لاعتبار الأصل.)
[
واعلم يا أخي أنني إنما ذكرت ذلك رغبة في الاستفادة من علمكم، وجزاكم الله خيرا.
بل هذا من حسن خلقك وأدبك وتواضعك ولطفك في تنبيهي، فجزاك الله خيرا.
وهناك سؤال أيضًا: هل المقصود بالإشباع هنا أن تولد حرفا من جنس حركة الهاء فتقول في (كتابهُ): كتابَهُو, وتقول في (بهِ) بهِي؟
نعم أخي الفاضل، ويسمونه أيضا الصلة.
والله أعلم