تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كل خبر يقدره النحوي لن يكون إلا تقييدا للمطلق. فلنأخذ مثالا واحدا ويقاس عليه:"لا إله (موجود) إلا الله".فالنفي هنا لإله مع قيد الوجود. ومن ثم لا يكون التوحيد خالصا. لأن الآلهة الممكنة والآلهة التى انعدمت فى الماضي أو التي ستكون فى المستقبل لم تنتف .. وإنما انتفت الموجودة منها .... وهذا كفر لأن مفهومه أن هناك مادة ممكنة فى العدم تستحق العبادة.

والحل عند الرازي هو التخلي عن التقدير أي تقدير كان. ليبقى النفي مستغرقا لكل الآلهة بإطلاق. وبذلك تكون الكلمة الطيبة دالة على التوحيد الخالص.

رد النحويون على الرازي في دعواه الاستغناء عن الخبر وكذلك فى تعليله:

أما الاستغناء عن تقدير الخبر فغير معقول فى العربية:

-أولا: لا بد للمبتدإ من خبر. وافتراض مبتدإ لا خبر له لفظا ولا تقديرا محال.

-ثانيا: الكلام المفيد لا بد فيه من اسناد أمر إلى أمر آخر. والكلمة المفردة ليست كلاما إلا بتقدير كلمة أخرى تضاف اليها.

وقالوا عن تعليله:

-تقديرنا "موجود"يستلزم نفي كل إله غير الله قطعا, فإن العدم لا كلام فيه, فهو فى الحقيقة نفي للحقيقة مطلقة لا مقيدة. وقول النحاة "نفي الوجود" ليس تقييدا لأن العدم ليس بشيء قال تعالى: (وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا.) وما التقييد بالعدم إلا عدم التقييد.

ومن جهة أخرى نفي الماهية هو نفي الوجود ولا تتصور الماهية إلا مع الوجود فلا فرق بين لا ماهية و لا وجود وهذا مذهب أهل السنة خلافا للمعتزلة فإنهم يثبتون ماهية عارية عن الوجود. بمعنى هم يتصورون ماهية ثابتة فى العدم يمكن أن يعرض لها وجود فيما بعد. (انظر شرح الطحاوية)

رأينا رد النحاة علىالفخر الرازي وذهابهم الى ضرورة تقدير الخبر فى الكلمة الطيبة بمقتضى قانون اللغة العربية الذي يجعل الافادة رهينة بحصول النسبة التامة فى الكلام. لكنهم اختلفوا فى تقدير شخص الخبر.

لكن,

في ضوء أي معيار سيكون التقدير؟

لا شك ان مقصود الكلمة الطيبة هي نفي كل الآلهة وإثبات الله تعالى. ومن ثم ينبغي للتقدير أن يتجه نحو أعم مفهوم ممكن لأن التوحيد الخالص منبن على اتساع دائرة النفي. وهكذا رأووا أن "موجود" هو أعم وصف فقدروه:

- لا إله (موجود) إلا الله.

هذا تقدير "المتكلمين" المشهور فى مصنفات النحو وعلم الكلام. وهو تقدير -كما سنوضح-ينهض على الخلط بين الألوهية والربوبية. وفهم "الله" بمعنى "رب" أي خالق ورازق ومصور الخ ..... وتكون الكلمة عندهم مفادها: لا رب موجود إلا الله.

اعترض بعضهم على هذا التقدير ,ورأوا أن العموم يتحقق بصورة أفضل مع "ممكن" فقدروه:

-لا إله (ممكن) إلا الله.

ووجه الاعتراض أن تقدير (موجود) يجعل الكلمة الطيبة قاصرة على نفي وجود غير الله ولا تفيد نفي إمكان ذلك الغير.

قال الدسوقي فى حاشيته على أم البراهين:

"وأجيب بأنه إذا نفى وجود جميع من هو غيره تعالى من الآلهة لزم نفي إمكان ألوهيته إذ من عدم فى زمان لا تمكن ألوهيته لأن ألوهيته ووجوب الوجود متلازمان ........ فيلزم من نفي الوجود عن غيره تعالى من الآلهة نفي أن يكون غيره من الآلهة ثابتا لأن الإله لا يكون إلا موجودا وقد انتفى وجوده .. "

غير ان تقدير (ممكن) لا يسلم من الاعتراض أيضا. ووجه الاعتراض أن تقدير ممكن يجعل الكلمة الطيبة قاصرة على نفي الامكان عن غير الله , ولا تثبت الوجود لله تعالى. فغايتها أن أعلنت أن الله تعالى ممكن.

أجيب بأن نفي إمكان غيره يستلزم وجوده إذ لا بد لعالم الامكان من موجود (!!.) كذا قال الدسوقي.

وحاول بعضهم أن يستفيد من الاعتراضات السابقة فتخلى نهائيا عن التقدير كما اختار الفخر الرازي. وجمع بعضهم التقديرين معا فقدرو ا الخبر (موجود وممكن):

-لا إله (موجود وممكن) إلا الله.

قال الدسوقي: "واستبعد بأن الحذف خلاف الأصل فينبغي أن يحترز عن كثرته".

التقدير الصحيح:

لا إله (حق) إلا الله.

وإنما قلنا الصحيح لاعتبارات منها:

-إجماع كل الطوائف على صحة هذا المعنى.

-ملاءمته لمقتضيات الشرع.

-سلامته مما يرد على غيرها من التقدير.

-تصريح أئمة اللغة والتفسير والعقيدة به.

بيان ذلك:

يدور التقدير على مفهوم "استحقاق العبادة" ولا ضير من تنويع العبارة كأن نقول:

-لا إله (حق) إلا الله.

-لا إله (بحق) إلا الله.

-لا إله (يستحق العبادة) إلا الله.

-لا إله (معبود بحق) إلا الله ...

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير