تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[التضمين في القرآن الكريم .. التفسير والتأويل]

ـ[محمد مليطان]ــــــــ[30 - 11 - 2006, 11:20 م]ـ

[التضمين في القرآن الكريم .. التفسير والتأويل]

قراءة في تفسير ابن عطية المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

التضمين في النحو: هو إشراب لفظ معنى لفظ آخر فيأخذ حكمه. أو كلمة تؤدي مؤدّى كلمتين.

مثل: فعل يتعدّى بحرف وفعل يتعدّى بآخر والتضمين هو تعدية الفعل بحرف الفعل الثاني. "مثال على ذلك قوله تعالى فعل سمع يتعدّى بنفسه في الأصل فنقول سمع الصوت وقوله تعالى (يومئذ يسمعون الصيحة بالحق)، لكننا في الصلاة وبعد الرفع من الركوع نقول: سمع الله لمن حمد فعل سمع هنا عُدّي باللام لأن المقصود هو فعل استجاب فكأنما أخذنا اللام من فعل الاستجابة وعدّينا فعل سمع بهذه اللام لتعطي معنى الاستجابة وليس الاستماع فليس كل سماع استجابة" (1).

وقد عني بأسلوب التضمين ابتداء طائفة من النحاة جلهم من مدرسة البصرة التي رفضت القول: بأن لحرف الجر أكثر من معنى ومن ثم رفضت مسألة تناوب الحروف التي اعتمدتها مدرسة الكوفة وتابعها في ذلك آخرون.

ومصطلح "التضمين" من المصطلحات النقدية والبلاغية ساغ لبعض المحدثين أن يعتبره المقابل التراثي نقدياً لمصطلح "التناص" في الثقافة النقدية الحديثة.

وسأقتصر على صورتين من صور التضمين في القرآن .. متخذا من تفسير ابن عطية (المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز) حقلا للدراسة:

أولا: الفعل اللازم والفعل المتعدي

يقسّم النحاة الأفعال من حيث اللزوم والتعدي إلى قسمين (2):

اللازم: وهو ما اكتفى بمرفوعه ولم يطلب مفعولا به، نحو: طال الليل، ونبت الزرع.

والمتعدي: وهو ما لا يكتفي بمرفوعه، ويطلب مفعولا واحدا، كـ (أكل وضرب)، أو مفعولين أصلهما مبتدأ وخبر كـ (ظن) وأخواتها (?*)، أو مفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبرا كـ (كسا وألبس)، وقد يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل كـ (أعلم وأرى) وأخواتهما.

والأصل في الفعل المتعدي أن ينصب مفعولا دون الحاجة إلى حرف جر، غير أن النحويين فسّروا بعض المفاعيل وحكموا – بناءً على معنى الفعل- بأنها منصوبة بإسقاط حرف الجر، كما في قوله تعالى: ("لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ" الأعراف 16)، إذ الأصل عندهم: على صراطك المستقيم (3)، وعلى هذا رأى ابن عطية أن تقدير الكلام في قوله تعالى: ("وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً ... " الأعراف 155) "واختار موسى من قومه، فلما انحذف الخافض تعدى الفعل فنصب، وهذا كثير في كلام العرب" (4)؛ وواضح أن هذا الرأي مبني على المعنى الذي في (اختار)، لأن الاختيار يكون بانتقاء شيء من عدة أشياء، أو بَعْضٍ من كلٍّ.

ويقرر بعض النحاة أن الفعل إذا استُعْمل "متعدياً بنفسه تارةً، وبحرف جرٍّ تارةً أخرى، ولم يكن أحد الاستعمالين مشهوراً، قيل فيه: متعدٍّ بوجهين، ولم يُحْكم بتقدير الحرف عند سقوطه، ولا بزيادته عند ثبوته، نحو: شَكَرْتُهُ، وشَكَرْتُ لَهُ" (5)، وعلى الرغم من عدم دقة المثال المتمثل به على هذا الرأي، حيث الشكر في (شكرته) للمخاطب، وفي (شكرت له) للفعل الذي قام به، إذ المعنى شكرت له صنيعَه، أو فعلَه، وعلى هذا فالفعل (شَكَرَ) متعدٍّ بنفسه دون حرفِ جرٍّ في المثالين، -على الرغم من هذا - فإن هذا الرأي هو الأحسن؛ لأن فيه بُعْداً عن الحكم بالزيادة، وعن تقدير جارٍّ محذوف، وخالف ابن عطية هذه الرؤية عند تفسيره قوله تعالى: ("وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا" الفتح 2) فذهب إلى أن معنى الآية: "إلى صراط مستقيم، فحذف الجار فتعدى الفعل، وقد يتعدى بغير حرف جر" (6)؛ لأن (هدى) "يصل بنفسه إلى مفعوله الثاني، وبحرف جر، فهو فعل متردد" (7).

وقد انشغل ابن عطية هنا بالجانب اللفظي لفعل الهداية، وأهمل الجانب الدلالي المعنوي الذي هو المهم والأساس في الحكم على تعدي الفعل أو لزومه، فقوله تعالى في الآية السابقة: ("ويهديك صراطا") يختلف في دلالته عن قوله تعالى: ("وَيَهْدِي مَن يَّشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" يونس 25) ففي الآية الأولى يعني – والله أعلم-: أن العناية الإلهية في الهداية مستمرة إلى بلوغ المهدي الصراط، بينما في الآية الثانية التي تعدى فيها الفعل بحرف جر تتوقف العناية عند إرشاد المهدي إلى الطريق المؤدية إلى الصراط المستقيم، وإيكاله إلى نفسه

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير