تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

المذكور معها معنى أفعال تتناسب وهذا الحرف، وهذا المذهب قد يظهر أيضا أنه الصحيح والمتفق مع دلالات الكلام العربي، لكنه – مع أفضليته على المذهب الآخر- يَضْعُف مع وجود أفعال لا تتعدى بحرف الجر المذكور معها، ولا تقبل التّضمين، لأنها واردة على سبيل الحقيقة لا على المجاز الذي يتوسع فيه في التضمين، وذلك كما في قوله تعالى: ("وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ... " طه 71) ففعل (الصَّلْب) هنا حقيقة ولا يُعرف في (صلب) أنه يتعدى بـ (في) وإنما العرف أنه يتعدى بـ (على)، ولذلك لا يتوانى القائلون بنيابة حروف الجر عن بعضها عن القول: إن (في) هنا بمعنى (على)، في حين يرتبك المانعون نيابة بعضها عن بعض ويحاولون الفرار إلى الاستناد إلى القول بأنه جاء في روايات التاريخ أن فرعون نقر جذوع النخل وصلبهم داخلها حتى يموتوا جوعا وعطشا، فصارت الجذوع على هذا ظرفا لهم، وتعدّى (أصلّب) هنا بـ (في) ليناسب الواقع (46)؛ ولكن الاتكاء على مثل هذه الروايات – مع احتمال صحتها- هروب من حقيقة أن القول بتضمين الأفعال هو أيضا غير مطّرد، خاصة إذا وُجدت النّظائر لهذا الأسلوب، ولم توجد لها روايات تاريخية تبررها كهذه الرواية.

إذن، فَكِلا المذهبين – مع الاحتفاظ بحق الأفضلية للمذهب المنسوب إلى البصريين- عاجزٌ عن إيجاد مبرّر مطّرد مقنع لهذه الظاهرة اللغوية.

إن من خصائص العربية المتفق عليها: الإيجاز، وحذف ما هو حشو أو كالحشو في الكلام العربي الرفيع؛ ولذلك فإن تقدير محذوف يتناسب مع المقام دون اللجوء إلى تضمين الفعل أو القول بنيابة حرف جر عن آخر ينسجم مع هذه الخصيصة المتفق عليها، وهذا المحذوف – قلّ أو كثُر- ليس إلا مفسِّرا لكثافة المعنى واختزاله في اللفظ القليل، ففي نحو قوله تعالى: ("وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ... " طه 71) كلام محذوف تقديره- تأويلا-: ولأصلبنكم حتى تصيروا من شدة الصلب كأنكم جزء في جذوع النخل، وفي نحو قوله تعالى: ("عَيْنًا يَّشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ ... " الإنسان 6) أي: يشرب ويطمئن بها عباد الله، ولا حاجة لتضمين (يشرب) معنى: يُرْوى، ولا تضمين الباء معنى (من)، ولا أزعم في هذا الاختيار خُلُوَّه من النقائص، ولكني أفضّله على المذهبين الآخرَيْن حرصا على إبقاء خصوصية اللفظ، سواء في الفعل أو حرف الجر في محله الذي ورد فيه في القرآن الكريم؛ لأنه – دون شك - له من الدلالة والإيحاءات بلفظه المذكور ما لا قد يدركه الفهم البشري، ولتبقى هذه الدلالات – ربما - سؤالا أبديًّا يشغل الدارسين والباحثين في هذه اللغة الشريفة، وفي الأساليب القرآنية الرفيعة المعجزة.

1 - لمسات بيانية لفاضل السامرائي، عن موقع فاضل السامرائي الالكتروني ( http://www.lamasaat.8m.com).

2- انظر تفصيلها في: شرح التسهيل لابن مالك 2/ 72، 148، وارتشاف الضرب لأبي حيان 4/ 2097 وما بعدها.

*- يعدّ النحاة (ظن) وأخواتها من نواسخ الجملة الاسمية، ونظراً لاعتبارهم المنصوبين بعدها مفعولين، وليسا اسما وخبرا لـ (ظن) جعلتها هنا مع الأفعال المتعدية.

3 - انظر: شرح التسهيل لابن مالك 2/ 148 - 149.

4 - المحرر الوجيز 2/ 459.

5 - شرح التسهيل لابن مالك 2/ 149، وانظر: المصدر نفسه 2/ 151.

6 - المحرر الوجيز 5/ 126.

7 - المصدر السابق 2/ 369.

8 - انظر: بحث التضمين (أقوال العلماء في التضمين) في كتاب النحو الوافي لعباس حسن 2/ 564 - 595.

9 - المحرر الوجيز 1/ 246، واحتج عليه السمين الحلبي بأن التضمين لا ينقاس انظر: الدر المصون 1/ 451.

10 - المحرر الوجيز 2/ 326.

11 - المصدر السابق 1/ 105.

12 - المصدر السابق 3/ 109.

13 - انظر مثلا: المحرر الوجيز 1/ 122، 159، 444، و2/ 54، 148، 229، 266، 343، و3/ 125، 170، 335، 342، 374، 384، و4/ 269.

14 - المحرر الوجيز 2/ 41.

15 - انظر: ارتشاف الضرب لأبي حيان 4/ 2106، وهمع الهوامع للسيوطي 2/ 220.

16 - انظر: البحر المحيط لأبي حيان 3/ 228، والدر المصون للسمين الحلبي 2/ 353.

17 - المحرر الوجيز 2/ 247.

18 - البحر المحيط لأبي حيان 4/ 33، وانظر: الدر المصون للسمين الحلبي 2/ 620، والمحاكمة للشاوي 1/ 488، وممن أنكر قياس التضمين ابن عصفور في كتابه شرح الجمل 1/ 302.

19 - انظر مثلا: لسان العرب لابن منظور مادة (جعل).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير