تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وآخرون يقولون: الرواية راجعة إلى النقل، والدراية راجعة إلى فقه الحديث، وفقه الحديث هو درايته. والرواية هي النقل، فيدخل على هذا في النقل مصطلح الحديث، يستعمل مصطلح الحديث، والنظر في الرجال. وتكون الدراية هي الفقه، يعني النظر في المتن.

هذا كان سابقاً، ولهذا مصطلح الحديث سابقٌ لأصول الفقه، وأصول الفقه أتت بعده من جهة التصنيف، من جهة تقعيد الفن، ومن جهة الاستعمال أصول الفقه سابقة لأصول الحديث، للمصطلح، لأن أصول الفقه هي أصول الاستنباط، وهي موجودة في زمن النبي - عليه الصلاة والسلام - قبل أن يكون ثَمَّ أسانيد.

لهذا تنظر إلى علم الفقه وعلم الحديث إلى أنه لا انفصال بينهما في الحقيقة، فالفقه هو فقه الأحكام الشرعية وهذا يكون مبنياً على أدلة، ومن الأدلة السنة. ينتج من ذلك أن أدلة الفقيه أعم من أدلة المحدث، بمعنى أن الكتاب الذي يعرض لمسائل الفقه تكون أدلته أوسع من أدلة الكتاب الذي يعرض لفقه الحديث، لِمَ؟ لأن من نظر في فقه الحديث يكون الدليل هو الذي يتكلم عليه من الحديث، عنده حديث في البلوغ ويشرحه، أو حديث في منتقى الأخبار ويشرحه، مثل نيل الأوطار، أو حديث في البخاري يشرحه أو نحو ذلك، فيكون شرحه مبنياً على هذا الحديث، واستنباطه للحكم بما في هذا الحديث من الحكم.

أما الفقيه فإنه يستنبط الحكم من عدة أدلة، قد يكون الدليل نصاً من الكتاب أو السنة، وقد يكون إجماعاً، وقد يكون قياساً شمولياً، وقد يكون قياس علة، وقد يكون قول صاحب، أو قول إمام ... الخ

نرجع إلى تأصيلها فنقول: المقصود من هذا أن كتب الفقه تختلف عن كتب الحديث من جهة الأدلة.

إن كتب الحديث إذا رجعنا إلى أولها فتجد أن الإمام يبوّب على الحديث بما فيه من الفائدة، لكن لا يرى الاختلاف الذي فيه، فمثلاً الإمام البخاري في تبويباته يبوِّب على فقه الحديث الذي عنده، أبو داود في تبويبه يبوّب على فقه الحديث الذي عنده، الترمذي النسائي ابن خزيمة ... الخ يبوِّبون ناظرين في التبويب - والتبويب هو عبارة عن الحكم أو الفائدة - راجع إلى فقههم إلى هذا المتن.

لكن إذا نظرت في المسألة نفسها نظرتها في كتب الفقه فتجد أن الفقيه يستدل بعموم آية، أو بمفهوم آية، أو يستدل بعدد من الأحاديث، أو يستدل بقاعدة أو أقوال الصحابة .. الخ.

رجع الأمر إلى أنه في الزمن الأول قبل شيوع المصنفات وشروح الحديث المطولة، المحدِّث يستنبط بناءً على هذا المتن الذي عنده، ولا ينظر إلى جميع أدلة المسألة، لا ينظر إلى كل ما في المسألة من الأقوال، لهذا يدخل في نظره إلى هذا المتن فيستنبط منه، أما المفتي أو الفقيه إذا أراد أن ينظر في هذه المسألة التي تناولها الحديث فإنه يستحضر أشياء أخر، لهذا صار كلام الفقهاء يختلف عن كلام طائفة من أهل الحديث، لِمَ؟ لأنه قد يكون المحِّدث ينظر إلى هذا المتن باستنباط ما فيه فوائد من هذا المتن دون النظر إلى أن هذه الفائدة هل هي الحكم في نفس الأمر أم أنه يأتي معارض فينظر إليه من جهة أخرى، وقد ذكرت لك فيما مضى أن الأقوال المتضادة أو الأقوال المتقابلة في الفقه، فإنه يكون القول أرجح إذا كان المعارض له أقل، فإن القولين المختلفين في الفقه لا تظن أن أحد القولين له دليل والآخر ليس له دليل، هذا نادر، بل الأكثر - وجُل المسائل - يكون هذا القول له أدلته وهذا القول له أدلته، ولكن أي القولين يكون أرجح؟ القول الأرجح هو الذي يكون الاعتراض على ما استدلَّ به أصحابه أقل من الاعتراض على القول الآخر.

وهذه فائدة رصينة مهمة يحتاجها الناظر في كتب الفقه وكتب الحديث جميعاً.

هذه الأقوال المتقابلة والاختلافات جاءت نتيجة إلى نظر العلماء في المسائل الفقهيه، بعد ذلك صنفت متون الفقه ثم صنفت المطولات في الفقه، ثم ظهرت شروح كتب الحديث، شروح كتب الحديث استفادت من كتب الفقه، فأوائل كتب الفقه التي بسطت القول في المسائل الفقهية الخلافية كتب ابن المنذر، ومثلها مع شيء من الاختلاف المصنفات، مصنف ابن أبي شيبة ومصنف عبد الرزاق وأشباه هذه، فتجد أن هذه بسطت القول في المسألة بذكر أقوال العلماء المصنفات بدون ذكر أدلتهم لأنها رواية، ومثل كتب ابن المنذر تجد أنه يذكر القول ويذكر دليله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير