تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم لنفترض أنه كان موجوداً عندهم، فهل يعني هذا أننا كلما وجدنا قولاً من أقوال أهل الجرح والتعديل المتناقضة في الراوي الواحد قلنا بأنهم يهدرون أقوال بعضهم البعض لعلمهم بها .. إلخ؟؟!!

هذا مما لا يقول به أحد فيما علمت، ولا أظن الشيخ محمد الأمين يقوله، فكيف خص به ما اختلف فيه قول العجلي مع بعض الأئمة دون سائر اختلافات الأئمة مع بعضهم جميعاً .. ؟

4: وقلت: وقد اضطرب المتأخرون كثيراً في شأن من لم يوثقه إلا العجلي وابن حبان. وسبب اضطرابهم هو قاعدة فلسفية واهية أخذوها من المتكلمين. قالوا: توثيق الإمام مقدم على جهل غيره من الأئمة لأن مع الموثق زيادة علم. كذا قالوا بإطلاق! ولا ريب في أن إطلاق هذا مخالف للعقل والواقع ومخالف لمنهج الأئمة المتقدمين. فإن الأئمة يختلفون مع بعضهم البعض في معايير التوثيق. فتجدهم أحياناً يختلفون في حكمهم على الراوي مع أنه ليس لواحد منهم زيادة علم على الآخر، كما تجده أحياناً في اختلاف الرازيين أو في اختلاف ابن مهدي مع القطان. وهذا راجع لاختلاف الاجتهاد وليس سببه جهل من الإمام أو زيادة علم من الإمام الآخر! فلذلك تجد إماماً كالذهلي يقول إن رواية ثقتين عن المجهول تكفي لرفع الجهالة عنه، بينما إمام آخر كأبي حاتم يرى أن هذا بإطلاق غير كافٍ فيحكم على الرجل بالجهالة. ولا يُقال أن أحدهما عنده زيادة علم على الآخر. ومثال هذا عند الأئمة المتقدمين ما قاله ابن عدي في الكامل (4

298): «إذا قال مثل ابن معين (عن رجل) "لا أعرفه"، فهو غير معروف. وإذا عرفه غيره، لا يعتمد على معرفة غيره، لأن الرجال بابن معين تُسبَرُ أحوالهم». طبعاً يستثنى من هذه القاعدة من كان في طبقة ابن معين خاصة من المصريين.

وهذه القاعدة الفلسفية التي يردها الأخ محمد بقول ابن عدي هذا هي موجودة عند العلماء المتقدمين أنفسهم بما فيهم ابن عدي نفسه .. !

فانظر إلى تعامل الدارمي وابن عدي – رحمهما الله – مع تجهيل ابن معين لأحد الثقات، حيث قال في ترجمة حاتم بن حريث الطائي من سؤالات الدارمي: (لا أعرفه)، فعقب الدارمي على ذلك بقوله: (هو شامي ثقة)، وقال ابن عدي عندما نقل كلامه السابق: (ولعزة حديثه لم يعرفه يحيى، وأرجو أنه لا بأس به)، فإنهما وثقاه لما علما أن لديهما زيادة علمٍ على ما كان لدى ابن معين، بل واعتذر له ابن عدي، ليبين سبب عدم علمه به، ولذلك أمثلةٌ أخرى من تطبيقات العلماء كرد الذهبي على تجهيل أبي حاتم بتوثيق ابن معين في ترجمة نوح بن المختار في الميزان، وغير ذلك من الأمثلة ..

وعبارة ابن عدي هذه هي في رد توثيق غير أهل العلم بالجرح والتعديل عند تجهيل أحد الأئمة له، أما أن نضرب بذلك أقوال أئمة الجرح والتعديل ببعضها فهذا ما لا يقوله أحد ..

5: واستدللت بإيرادك ترجمة راويين ممن وثقهما العجلي رحمه الله، وجهلهما غيره من الأئمة، وذكرت أن مسلك المحققين من المتأخرين في مثل هذا الإعراض عن قول العجلي، مستدلاً بعدم ذكر قوله أصلاً، وترجيح ماهو مخالف لقوله كما فعل الذهبي وغيره ..

وغفلت أن الذهبي رحمه الله قد فعل ذلك مع كثير من الأئمة ولم يخص ذلك بالعجلي رحمه الله، بل إن الذهبي نفسه - وهو أحد المحققين عندك - قد وثق رجالاً لم يورد هو فيهم غير قول العجلي، كما وثق أبا الأبيض العنسي وليس في ترجمته غير توثيق العجلي فقط، وكذلك وثق أبا مرزوق التجيبي، وأبا مروان الأسلمي وليس فيهما إلا توثيق العجلي وابن حبان ..

بل وانظر إلى مثل الحكم بن عبد الملك القرشي قال فيه ابن معين: ليس بشيء، وقال أبو داود: منكر الحديث، وقال يعقوب بن شيبة: ضعيف الحديث جداً له أحاديث مناكير، وهناك أقوال أخف منها في التضعيف، وقال العجلي: ثقة، ورغم كل ذلك يقول الذهبي في الكاشف: ضُعِّف، فعلام يدلك ذلك؟؟!!

ومن دون أناقشك في الترجمتين أسألك: هل خلا أحد من أئمة الجرح والتعديل المكثرين من أن يوثق راوياً يجهله غيره؟؟

6: ثم ختمت بقولك: لكن بسبب شدة تساهله وفرطه في التوثيق، أدى ذلك إلى أن الغالبية العظمى من أحكامه على الرجال هي بالتوثيق، فغلب على الكتاب اسم "الثقات"

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير