* وقال في يونس بن بكير: «إني قد تأملتُ كلَّ ما قيل فيه , فلم أجد أحدًا من أئمتنا استزاده (كذا في المطبوعة , ولعل الصواب: ?ستزلَّه) في حفظٍ أو إتقان , أو مخالفةٍ للثقات في رواياته , إلا لميله عن الطريق في تشيُّعه , وقد ?حتُمِل مثلُ هذا الحال عن جماعةٍ من الكوفيين , فهو عندي من جملتهم». «المدخل إلى الصحيح» (2/ 701). ولم أر من اتهم يونس بالرفض , بل جمهور الأئمة على توثيقه , وإنما نقم عليه بعضهم التشيع والإرجاء , وقال الجوزجاني في «أحوال الرجال» (120): «ينبغي أن يتثبت في أمره؛ لميله عن الطريق» , وكأن الحاكم أخذ هذه العبارة عنه , وقد نقل عنه في «المدخل» (2/ 767) قوله في شيعيٍّ آخر , وهو خالد بن مخلد القطواني: «كان شتَّامًا , معلنًا بسوء مذهبه».
أفيصحُّ بعد هذا أن يوصم بالرَّفض؟!
وكيف يكون رافضيًّا من أبلى? زهرة شبابه , وربيع كهولته , وهشيم شيخوخته في طلب سنة النبي ^ , وتدوينها , والذبِّ عنها , وتمييز صحيحها من سقيمها , والتصنيف في علومها , والدعوة إلى لزومها والعمل بها , فأصبح من فرسانها إذا ما رايةٌ رفعت لها؟!
وكيف يكون رافضيًّا – صانه الله عن هذه الحماقة - وهو شافعيُّ المذهب , معتزٌّ بشافعيته , مصنِّفٌ في مناقب إمامه؟! أرافضيٌّ وشافعيّ؟!
أما قول ابن طاهر: «كان شديدَ التعصُّب للشِّيعة في الباطن , وكان يُظْهِرُ التسنُّن في التقديم والخلافة» , فحسبُه أنْ أحال على غير مليء , واعتمد على مظنون , وما لناولباطن الرجل حتى نتولَّجه , وهل من سبيلٍ إلى القطع بما فيه حتى نتكلَّف هذا التقحُّم؟! وما أمرنا الله بذلك , بل بأن نأخذ بظواهر الخلق ونكل سرائرهم إليه , عزَّ سلطانه.
بقي النظرُ في القول بتشيُّعه , رحمه الله , وهو موضعٌ للتأمل فيه فسحة , وللاجتهاد مجال , فلنتصفَّح أدلته.
أما حديث الطير , فإنما يستقيم الاستدلال بتصحيحه له على تشيُّعه لو كان لم يصحِّح في الفضائل من الواهيات إلا هو أو ما كان من بابته , فكيف وقد صحَّح أحاديث واهيةً في فضائل أبي بكر وعمر وعثمان , وفي كتابه «أحاديث نحو المئة يشهد القلبُ ببطلانها , حديثُ الطير بالنسبة إليها سماء» كما يقول الذهبي , فما وجه ?ختصاص القدح بذاك الحديث؟!
ثم إنه عاد وتبيَّن له وهاؤه , وحكم بعدم صحته , كما ثبت عنه بإسنادٍ صحيح. ولعله أنعم التدبر فيه غِبَّ إنكار أهل الحديث عليه تصحيحه.
قال أبو عبد الرحمن الشاذْياخي: كنا في مجلس السيد أبي الحسن , فسئل أبو عبد الله الحاكم عن حديث الطير , فقال: «لا يصح , ولو صحَّ لما كان أحدٌ أفضل من عليٍّ بعد النبي ^». قال الذهبي: «هذه حكايةٌ قوية». انظر: «السير» (17 /
168 , 169) , و «تاريخ الإسلام» (9/ 94).
وهذا أشبه من أن يكون رأى? عدم ثبوته أولًا , ثم تغيَّر رأيه بعدُ فصحَّحه وأدخله في «المستدرك» , كما ذهب إلى ذلك الذهبي في «التذكرة» (1042).
وقد ردَّ الذهبيُّ في «السير» (17/ 176) , و «تاريخ الإسلام» (9/ 99) روايةً منقطعةً , سلف ذكرها بألفاظها , وفيها أن الحاكم أمر بالضرب على هذا الحديث , وإخراجه من كتابه , بعد أن بلغه إنكار الدارقطني عليه استدراكه , وذلك أن الحاكم إنما صنف «المستدرك» في آخر حياته بعد موت الدارقطني بمدَّة , ثم إن الحديث لم يزل في الكتاب. وهو كما قال.
وجوَّز السبكي في «الطبقات» (4/ 169) أن يكون أخرجه من كتابه , وبقي في بعض النسخ.
أما جمعُه لطرقه , فعسى أن يكون للاعتبار والمعرفة , كما قال أبو موسى المديني , انظر: «منهاج السنة» (7/ 372) , و «نكت» الزركشي (1/ 328) , وتلك شريعةٌ مورودة , وقد جمع طرقه غير واحدٍ من الحفاظ , منهم: ابن جرير الطبري , والطبراني , وأبو نعيم , وابن مردويه , وأبو طاهر محمد بن أحمد بن علي بن حمدان , والذهبي , وغيرهم.
وبعد ذلك , ففي الحكم بوضع الحديث نزاع , والذهبيُّ على أنه يرى? ضعفه يجزم بأن مجموع طرقه يوجبُ أن يكون له أصلٌ , ويقول: «لم يثبت، ولا أنا بالمعتقد بطلانه». انظر: «السير» (13/ 233) , و «التذكرة» (1043). فهذا مما يخففُ اللوم على الحاكم.
¥