تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما قوله عن الحديث: «لو صحَّ لما كان أحدٌ أفضل من عليٍّ بعد النبي ^» , فإنما جاء عقب قوله: «لا يصح» , وكأن ذلك عنده نكارةٌ أوجبت ردَّه.

والحقُّ أن هذا المعنى المتوهَّم لا يستلزمه الحديث , بعد التسليم بصحَّته , ولو أفاده فله معارضٌ أقوى? منه يقضي على دلالته , ويقدَّم عليه , انظر: «منهاج السنة»

(7/ 375) , ولهذا نظائر كثيرة.

فهذا أول الأدلة لم يتبين فيه وحده ما تتبرهنُ به الدعوى?.

أما موقفه من معاوية رضي الله عنه , فينبغي أن يُعْلم أول الأمر أن معاوية صحابيٌّ عدلٌ مأمونٌ عند أبي عبد الله الحاكم , لا مطمع إلى التشكيك في هذا أو النَّيل منه , وقد أخرج من طريقه نحو العشرين حديثًا في كتابه , وصحَّح أسانيدها وقبلها , ولم يتردَّد في ذلك طرفة عين.

أما امتناعه من التحديث بفضائله وقد طُلِبَ إليه , فلعله لم يجد فيها شيئًا يثبتُ بإسنادٍ يرتضيه , وهو من روى? عن إسحاق بن راهويه قوله: «لا يصحُّ عن النبي ^ في فضل معاوية بن أبي سفيان شيء» , كما تقدَّم , فلم تطب نفسُه بمخالفة ما يعلمه إرضاءً لبعض الغوغاء , ولو كان في قلبه حرجٌ منه لمحاربته عليًّا رضي الله عنهما لما عقد في كتاب معرفة الصحابة من «المستدرك» أبوابًا لمناقب طلحة والزبير وعائشة وعمرو بن العاص رضي الله عنهم!

وقد جرى? قريبٌ من هذا للإمام النسائي؛ فإنه لما صنَّف «فضائل الصحابة» قيل له: ألا تخرج فضائل معاوية رضي الله عنه؟ فقال: أيَّ شئ أخرج؟ حديث: «اللهم لا تُشْبِعْ بطنَه»؟!. انظر: «السير» (14/ 129).

أما ما نقله الذهبيُّ عنه من قوله: «إن عليًّا وصيٌّ» , فلم يسنده عنه , ولا نقله من كتابٍ سمَّاه له , وما أدري أيُّ شيءٍ هذا , وكيف يقول مثله الحاكم وهو يعتقد صحَّة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان , ويروي الأحاديث ويصحِّحها في مناقبهم , ولا يتردَّد في العمل بأحاديثهم وأحاديث سواهم من الصحابة , وكلهم عطَّل تلك الوصية المزعومة؟!

فلا ريب في بطلان هذه النسبة , أو إحالة الكلمة عن وجهها لفظًا أو معنى.

نعم , قد أخرج في «المستدرك» (3/ 172) عن الحسن بن علي رضي الله عنهما في خطبةٍ له قوله: «أنا ابن الوصي» لكنه لم يصحِّحها , ولا علمنا أنه رضي هذه اللفظة.

أما إنشاده مرثيةً في مقتل الحسين رضي الله عنه , فتلك شكاةٌ ظاهرٌ عنه عارها , ولولا إشارةُ الحافظ ابن كثير رحمه الله إلى صلة ذلك بتشيُّعه بقوله في «البداية والنهاية» (9/ 243): «وقد رثاه الناس بمراثٍ كثيرة , ومن أحسن ذلك ما أورده الحاكم أبو عبد الله النيسابوري , وكان فيه تشيُّع» ثم ساق الأبيات = لما ?ستسغتُ إيراده ضمن الدلائل , وإنما حمله عليه تهمةُ الحاكم بالتشيُّع , وإلا فليس هذا مما تختصُّ به الشيعة , وما كانوا أولياءه , بل أهل السنة أولى? به , وقد رثاه منهم خلقٌ لا يحصون.

وكذلك هو القول في تصنيفه في مقتله رضي الله عنه ورفع درجته , وقد صنَّف في تلك الفاجعة غير واحدٍ من أهل السنَّة.

أما ذكر الشيعة له في تراجمهم , فلم يفعله إلا متأخروهم , وهم فيه عالةٌ على أهل السنة , وعنهم أخذوا وصفه بذلك , وليس عندهم علمٌ زائد بحاله , بل هو عامِّيٌّ باصطلاحهم , أي سُنِّي , وإنما أوردوه لتصنيفه في فضائل أهل البيت رضي الله عنهم , ولا ريب عندهم في سُنِّيَّته. انظر: «الوضَّاعون وأحاديثهم من كتاب الغدير للأميني» (7 , 61).

وبعد؛ فقد تبين أن الإمام أبا عبد الله الحاكم رحمه الله معظِّمٌ للشيخين أبي بكر وعمر , رضي الله عنهما , معترفٌ بخلافتهما , ولم يأت عنه ما فيه نيلٌ منهما , أو تقديمٌ لعليٍّ عليهما , بل ولا على عثمان , وقد قدَّم في «المستدرك» ذكره عليه , وساق مناقبه قبله.

وصحَّح فيه (3/ 96) حديث عائشة رضي الله عنها , مع وهائه , قالت: «أول حجرٍ حمله النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم , ثم حمل أبو بكر , ثم حمل عمر حجرًا , ثم حمل عثمان حجرًا , فقلت: يا رسول الله , ألا ترى إلى هؤلاء كيف يساعدونك؟ فقال: يا عائشة , هؤلاء الخلفاء من بعدي» , فمن يصحِّحُ هذا الحديث الذي هو كالنصِّ على خلافة هؤلاء الثلاثة , مع ما في تصحيحه من الاعتراض عليه , يُظَنُّ به أن يطوي قلبه على شيءٍ من البغض لهم؟!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير