لذلك فنحن نطالب المؤلف - مخلصين - بالثبات على دلالة حديث مالك على الاعتماد على اليدين وأن ذلك لم يكن لعجز أو ضعف أو كبر وإنما لأنه السنة كما في حديث ابن عمر الذي أقر بصحته وصحة دلالته وبخاصة أنني وقفت له على طريق أخرى عن الأزرق بن قيس قال: " رأيت ابن عمر في الصلاة يعتمد إذا قام فقلت: ما هذا؟ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يفعله "
رواه الطبراني في " الأوسط " (3489 - بترقيمي) وأما حديثه الآخر في العجن فنحن نبين خطأه في تضعيفه إياه بيانا لا يدع لعارف بهذا الفن شكا في خطئه فإنه قد أعله بعلتين: الأولى: يونس بن بكير
والأخرى: الهيثم بن عمران العبسي
أما العلة الأولى فتمسك فيها باختلاف العلماء في يونس توثيقا وتجريحا ونقل أقوالهم في ذلك واعتمد منها قول الحافظ ابن حجر: " صدوق يخطئ "
وفهم منه أنه ضعيف إن لم يتابع وأعرض عن أقوال الموثقين من الأئمة تقليدا منه لابن حجر
والعجيب من أمره أنه قال بعد أن حكى عن ابن عدي أنه قال: " وثقه الأئمة. . " قال: " وانظر " الميزان " ومقدمة " الفتح " و " العبر ". . "
فنظرنا وإذا في خاتمة ترجمته من " الميزان " يقول الذهبي: " وهو حسن الحديث " فهذا حجة عليه لا له كما هو ظاهر فماذا قصد في إحالته عليه؟ ويقول الحافظ في " المقدمة ": " مختلف فيه وقال أبو حاتم: محله الصدق "
وهذا كالذي قبله فإن كونه مختلفا فيه ومحله الصدق يعني أنه حسن الحديث في علم المصطلح ويؤيد ذلك أن الحافظ سكت عن أحاديث له كثيرة يحضرني منها حديث عائشة في أكل القئاء بالرطب فإنه سكت عنه في " الفتح " (9/ 573) والمؤلف يحتج بسكوت الحافظ كما ذكر (ص 27) من " جزئه " ثم رجعت إلى العبر فإذا بالذهبي يتبنى فيه قول ابن معين: " صدوق "
وهو أيضا بالمعنى المتقدم أي أنه حسن الحديث
ومن أجل ذلك أورده الذهبي في كتابه " معرفة الرواة المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد " (ص 192/ 383) وقال فيه: " صدوق قال ابن معين: مرجئ يتبع السلطان "
يشير إلى أن ما قيل فيه فليس طعنا في صدقه وروايته وإنما لإرجائه وتردده على السلطان وذلك مما لا يطعن به على حديثه كما هو معروف في " المصطلح " وقد أشار إلى ذلك أبو زرعة حين سئل عنه: أي شئ ينكر عليه؟ فقال: " أما في الحديث فلا أعلمه "
والخلاصة: أن المؤلف - عفا الله عنا وعنه - لم يستفد شيئا من النقول المتضاربة التي نقلها عن الأئمة في يونس بن بكير هذا ولا هو بين وجه اختياره تضعيفه إياه تقليدا لابن حجر في " التقريب " على أن قوله فيه: " صدوق يخطئ " ليس نصا في تضعيفه للراوي به فإننا نعرف بالممارسة والتتبع أنه كثيرا ما يحسن حديث من قال فيه مثل هذه الكلمة وحديث عائشة مثال صالح لذلك فلو أنه كان على معرفة بعلم المصطلح لبين وجه اختياره كأن يقول مثلا: " الجرح مقدم على التعديل " فيقال: هذا ليس على إطلاقه بل هو مقيد بما إذا كان مفسرا وجارحا وقد أشار الذهبي في كلمته المنقولة عن " المعرفة " أن ما جرح به لا يضره فتأمل هذا أيها القارئ يتبين لك خطأ الرجل في تضعيفه ليونس وأنه لم يصدر ذلك منه عن علم ومعرفة بهذا العلم الشريف
ويؤكد لك ذلك ما سأذكره فيما يأتي في الرد على علته الثانية وهي: العلة الأخرى عنده: الهيثم بن عمران العبسي
لقد سود صاحبنا حولها عشر صفحات دون فائدة تذكر واستطرد أحيانا - كعادته في " جزئه " - في ذكر أمور لا علاقة لها بالعلة المزعومة
وخلاصة كلامه فيها أن الهيثم هذا روى عنه خمسة فهو مجهول الحال عنده وجل ما أورده أخذه من بعض مؤلفاتي
ثم ذكر كلام الحافظ في " اللسان " في نقد مسلك ابن حبان في توثيق الراوي ولو لم يرو عنه إلا واحد
ثم نقل عني مثل ذلك من مواضع من كتبي
وهذا حق ولكنه لم يستطع لحداثة عهده بهذا العلم أن يفرق بين هذا المسلك المنتقد وبين ما سلكته في تقوية حديث الهيثم هذا لرواية الثقات الخمسة عنه
وقدم للقراء مثلا ليبين لهم تناقضي - بزعمه - في هذا المجال حديث معاذ في القضاء وأني حكمت بنكارته بأمور منها جهالة الحارث بن عمرو مع توثيق ابن حبان إياه
فهو يتوهم أن كل من وثقه ابن حبان فهو مجهول إما عينا وإما حالا
وهنا يكمن خلطه وخطؤه الذي حمله على القول (ص 56) بأنني جاريت ابن حبان في مسلكه المذكور
¥