ـ[صلاح الزيات]ــــــــ[25 - 08 - 10, 02:40 م]ـ
الفصل الأول
بيان العيوب المنهجية في كتاب (الحديث والقرآن):-
المبحث الأول:
انتزاع النتائج من المسلمات الأولية
"لا يخلو أيّ بحث علميّ من مسلّمات أولية أو ما يسمّى بالأفكار القَبْلِيَّة، لا يتكلم عليها الباحث ولا يصرِّح بها، ولكنه ينطلق منها في معالجة القضايا التي يتطرق لها في بحثه" (1)، والباحث إذا أراد أن يكون منصفاً، ويصل إلى نتائج علمية صحيحة تقف على عتبة التحقيق؛ فإنه لا يستسلم لتلك المسلمات؛ وهو بحاجة إلى التأمل في المعطيات العلمية التي بين يديه، ثم يعمل على دراستها بتجرد حتى توصله تلك المعطيات إلى التنائج التي لا يكتشف دقتها أو صحتها إلا بعد هذه الدراسة وتلك المقدمات العلمية.
وهو إن لم يسلك هذا السبيل، بمعنى أنه اعتقد ثم بحث ليصل إلى النتيجة التي اعتقدها فإنه –والحالة هذه- لا يصلح أن يوصف عمله بـ (البحث) لأنه لم يحصل، ولا بـ (العلمي) لأنه على غير المنهجية العلمية المنطقية المفترضة للوصول للحقائق.
وبناء على هذه المقدمة فلننظر في عمل الكاتب الذي ارتضى لنفسه لقب (ابن قرناس)، وهل تحقق في عمله صفة البحث العلمي وشرطه، أم أنه اعتقد ثم قعَّد، وحكم ثم استدل، وزوَّر ما به قرَّر.
فهو في أول صفحة من كتابه، بل في الأسطر الأولى وصل إلى النتيجة التي أراد الوصول إليها بتأليفه هذا الكتاب، وعبر خط النهاية قبل أن يبدأ، فقال عن الحديث النبوي والسنة النبوية؛ أن الإنسان: (لو أتاح لنفسه الفرصة لتقليب أي كتاب من كتب الحديث .. فسيجد قصصاً وأخباراً وأساطير من كل حدب وصوب .. تخالف ما يقوله الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم .. )، و (قصص تعكس الزمن الذي اختلقت فيه .. )، و (حكايات من نسج الخيال .. )، و (قصص من التراث المندائي والإغريقي والمجوسي والهندي ومن كل تراث)، و (أحاديث دخلها الحذف والتغيير والتبديل)، و (قصص لم تنسب للرسول وليس لها أي مغزى)، و (لم يوح للرسول غير القرآن) (2)، و (لم يكن هناك تفسير لمحمد) (3) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، و (لم يأمر الرسول بكتابة شيء سوى القرآن) (4) ..
هكذا إذاً! فما الحاجة لتسويد (528) صفحة والنتيجة ها هنا من أول ستة أسطر، وما الحاجة لذلك وهذه التقعيدات"اللملمانية" (5)، قد قطعت طريق البحث، إنه لعناء ليس وراءه كبير طائل.
إنَّ من قرأ مقدمة كتابه هذه كفته في الوصول إلى خلاصة البحث من أوراقه الأولى، دون حاجة لعناء تقليب الكتاب، والتأمل فيما سوف يسوقه من أدلة وبراهين.
إنه لم يترك لنا الفرصة لنشاركه الحكم على الحديث النبوي وقصصه وأخباره، من خلال عرضه أدلة ثبوتها أو افترائها بزعمه، فدلت أسطر كتابه الأولى أنه كان قد بيَّت قرارات ونتائج في ذهنه؛ وهو من خلال هذا الكتاب يسعى للاستدلال لها لا لاختبار صدقيتها، وينطلق من مسلمات عقلية استروح إليها وصغى نحوها قلبه، ولم تسعفه حتى المجاملة العلمية لمحاولة التظاهر بكتم هذه النتائج حتى يتمَّ دراسته، ولكنه قاء دعاواه -التي غلت في قلبه وفارت؛ حتى ملأت منه كل عرق وعصب- نقداً ناجزاً.
ومن هنا فلا يمكن الوثوق بشيء من هذه النتائج التي خلص إليها في كتابه، حيث إنها لم تُعرض في دراسته -المدعاة- للدراسة، وقد كان مقتضى الموضوعية في الدراسات العلمية للأفكار، أنْ تدرس بتجرد كامل، دون تحيُّزٍ إلى خلفية ذهنية تتحكم في مسار النتائج؛ أو تحرف استواء طريقها، ومهما كبر عقل الباحث وصفى ذهنه فإنه لا يمكن أنْ يصل إلى نتيجة صحيحة في مثل هذه الأجواء، لأن ثمت مؤثر خفي يدب بين خلجات النفس، ويوجه الأفكار إلى حيث يريد هو؛ لا إلى حيث يقود التجرد العلمي.
- - - - - - -
الحواشي:
1 - مقتبس من كلام شيخنا الأستاذ الدكتور (خالد الدريس) في ردِّه على المستشرق شاخت.
2 - (كتاب الحديث والقرآن لابن قرناس) ص 12.
3 - المرجع السابق ص 13.
4 - المرجع السابق.
5 - كلمة مصنوعة من حرف النفي "لم" الذي أكثر الكاتب من ترداده في تقعيداته.
ـ[صلاح الزيات]ــــــــ[26 - 08 - 10, 04:30 ص]ـ
المبحث الثاني:
الانتقائية العلميّة
"من أخطر العيوب المنهجية في البحث العلمي، أن يتوصل الباحث إلى نتائج محددة عامة تكون مبنية على معلومات مستقاة من مصادر غير متخصصة في موضوع بحثه" (1).
¥