تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ساق في هذا الموضع حديثين اثنين؛ هما: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَسْمَعُ مِنْكَ حَدِيثًا كَثِيرًا أَنْسَاهُ، قَالَ: ابْسُطْ رِدَاءَكَ فَبَسَطْتُهُ قَالَ فَغَرَفَ بِيَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ ضُمَّهُ، فَضَمَمْتُهُ فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا بَعْدَهُ) (1)، و: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وِعَاءَيْنِ؛ فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ قُطِعَ هَذَا الْبُلْعُومُ) (2)، وعنون عليهما فقال: (بعض نصوص دين الله تحوي أسراراً غامضة وخطيرة) (3).

قلت: يشير "ابن قرناس" هنا إلى تكذيب الحديث الأول؛ من جهة أنّ الخبر يثبت طريقة لمعالجة النسيان تخالف ما دلَّ عليه القرآن الكريم؛ فيقول: (القاص ينقل على لسان أبي هريرة أنه أصبح لا ينسى أيَّ حديث يسمعه، بعد أن غرف الرسول بيديه من الهواء، ثم وضعها في ردائه وضمَّه، بينما القرآن يرشد النبي صلوات الله عليه إلى كيفية مختلفة لمعالجة النسيان: "ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشداً"، ولو كان الرسول لديه قدرة سحرية يجعل الغير لا ينسون بمجرد غرفة بيديه من الهواء؛ فلماذا ينسى هو؟) (4).

و الجواب على ما ذكره الكاتب من وجوه:

الأول: أنّ الكاتب جعل من أمارات بطلان خبر أبي هريرة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -: دلالته على طريقة لعلاج النسيان تختلف عن الطريقة التي دل عليها القرآن، وهذا فهم عجيب؛ فكأنّ الطريقة الوحيدة لمعالجة النسيان عند الكاتب هو ما ذكر في الآية فقط وهو: ذِكْرُ اللهِ تعالى، وبالتالي فكل خبرٍ أو حديث يدلُّ على طريقة أخرى سواها لعلاج النسيان فذلك أمارة على بطلان الخبر، وكأنّ علاج النسيان أمر غيبيٌّ محضٌ مبناه على النقل، ولا علاقة للتجريب فيه، وهذا اعتمادٌ -في ردّ الحديث- على غير معتمد، نعم: ليس كل ما صلح علاجاً للنسيان تصح نسبته للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ولكن ليس هذا فَرْضُ النقاش ها هنا، إنما فرض المسألة: هل ورود علاج للنسيان في الحديث النبوي يختلف عما ذكر في القرآن يكون دليلاً على بطلان الحديث؟، أقول: هكذا يزعم" ابن قرناس".

الثاني: أنَّ الحديث يدل على إثبات حفظ أبي هريرة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - للحديث الذي هو دين وشرع، وليس فيه إشارة إلى حفظ مطلق لكل شيء من الكلام مما يرتبط بالتشريع وغيره، وكذا فإنّ نسيان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الذي أشارت له الآية لا علاقة له بالشرع والدين –على ما سيأتي بيانه-، ومن هنا فمقابلة ما في الخبر من إثبات الحفظ لأبي هريرة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - بما في الآية من إثبات النسيان الذي هو صفة بشرية للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في ما لا يرتبط بالتشريع؛ هو نوع مغالطة.

وإلا فهل يقول الكاتب أنَّ هذه الآية: (واذكر ربك إذا نسيت) (5) تدلُّ على أنّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يجوز أنْ ينسى شيئاً من التشريع قبل تبليغه؟.

الذي يظهر أنه لا يقول بهذا، والآية يقطع بحملها على نسيان لا يرتبط بالتشريع أصلاً، إذ الشرع محفوظٌ نصّاً، وبناء عليه فجهة الحفظ المثبت لأبي هريرة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - منفكة عن جهة النسيان المثبت للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فلا يصح قول الكاتب: (ولو كان الرسول لديه قدرة .. يجعل الغير لا ينسون بمجرد غرفة بيديه من الهواء؛ فلماذا ينسى هو)، يوضحه ما بعده:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير