تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فلم يقفوا –ولو لمرة- لإثبات صحة وجهة النظر من جهة الإسلام عند التعارض، بل نجدهم دوماً يعالجون قضاياهم على حساب الإسلام وفقاً لما يفكر فيه الغرب.

وكنتيجة منطقية؛ فإنهم لم يقيموا للصحيحين وزناً، سواء في قبول كثير من نصوصهما، أو تفسيرها ضمن منظومة الفكر الإسلامي الذي يشكل وحدة متضافرة في بناء العقل المسلم، كيف لا يكون؟ وقد عدَوا على كثير من الآيات القرآنية، وحرّفوا مقصودها، وجعلوها ضمن الخطاب التاريخي القابل للنقد، فكان الصحيحان محط أنظارهم للنقد الفائح من بين سطوره رائحة العقلية الغربية المنحلة.

وقد عُنى هذا البحث بتوضيح مفهوم الحداثة ونشأتها، والكشف عن هويات عقول أصحابها، وتحليل أصولها ومصادرها، وطريقة انتقال عدواها إلى بعض المستغربين العرب.

معرجين على أساليب نقدهم، وقواعد تعاملهم، ودوافع نبذهم لأحاديث الصحيحين، وآثار ذلك المنهج، متتبعين في ذلك سقطاتهم، ومسلطين الضوء على عثراتهم وهناتهم، وموضحين الآليات القويمة في التعامل معها، والله الموفق والمستعان، وعلى نبيه السلام والعرفان.

المبحث الأول: مفهوم الحداثة ( Modernity) وما بعدها:

الحداثةَ – لغةً- مشتقَّة من مادة "ح د ث"، وفي اللغة يُقال: "حدث حدوثًا وحَداثَةً فهو حديث"، ويُقال: (حَدَثَ) نقيض (قَدُمَ) ([7] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn7))؛ فكلمة حداثة كلمة نسبية؛ إذ كل ما هو قديم كان حديثاً نسبة لما قبله، وكل ما سيكون حديثاً في المستقبل سيؤول إلى قِدَم قياساً لما سيكون بعده، فالحداثة مصطلح لا يرتبط بنص معين، أو حدث معين.

وفي ضوء هذا المضمون تصبح الحداثة في مأزق لغوي عَصِيٍّ على الاستيعاب والفهم، ولا يمكن تطبيقه إلا على زمن المتكلم دون غيره ([8] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn8)).

كما يتسم هذا المصطلح بالغموض باتفاق الباحثين، ولهذا قال بعض الحداثيين ساخراً: "إذا وضعت - في حجرة واحدة - المناقشين الأساسيين للمفهوم، -وأنا معهم- ثم أغلَقْت الحجرة وألقيتَ بالمفتاح بعيدًا، فلن يحدث إجماع بين المشتركين في الجدل بعد أسبوع، وأن خطًا رفيعًا من الدماء سوف يظهر من تحت الباب" ([9] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn9)).

وسبّب ذلك اختلافاً واسعاً غير منضبط في تعريف مصطلح الحداثة ( Modernity) أو العصرنة أو التحديث، فجعلوها وصفاً لأي عملية تتضمن تحديث وتجديد ما هو قديم؛ لذلك فقد تستخدم في مجالات عدة، لكن هذا المصطلح برز واضحاً في المجال الثقافي ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9) والفكري التاريخي ليدل على مرحلة التطور التي طبعت أوروبا ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D8%A7) بشكل خاص في مرحلة العصور الحديثة ([10] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn10)).

ولهذا اندفع الحداثيون العرب -في تصورهم لتحقيق الحداثة- إلى تحقيق قطيعة معرفيَّة مع الماضي واحتقار التراث، ثم الوصول بالتبعية الثقافية للغرب إلى أبعد نقطة ([11] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn11))، فوصفوا التاريخ بالسِّجن؛ وجعلوا نصب أعينهم قول الحداثي الأمريكي: "مشكلتكم أنكم تنظرون إلى الوراء، وبهذا أصبحتم سُجناءَ الماضي". ([12] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn12))

ولذلك فقد تعامل الحداثيون مع النصوص الشرعية عامة، والصحيحين بشكل خاص وفقاً للمعايير الغربية، الملخصة فيما يلي:

1– "أنسَنَة الدِّين"، أي: إرجاء الدين إلى الإنسَان، وإحلال الأساطير محلَّ الدِّين ([13] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn13)).

2– تطبِيق المبادئ النَّقدية الوَافِدة على النصوص المقدَّسة ([14] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn14)).

3– وضع العمليَّة "أو العقلانيَّة" والدين على طرفَي نقِيض، على أساس أن: الدِّين فِكر غيبِيٌّ، يتعارض مع التفكير العلمِي والعقلاني ([15] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn15)).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير