مسلم وأبو داود جعلاه من جنس الصحيح وهو أقرب إليه من الضعيف، ولكن ابن تيمية رحمه الله مع جعله له من قسم الضعيف قال يعمل به، فصار الخلاف أقرب ما يكون لفظياً.
ولذا نجد عبارة الذهبي أدق من عبارة ابن تيمية لأنه قال أنه أول من خص هذا النوع باسم الحسن هو الترمذي ولم يقل أنه كان من قبيل الضعيف عند غيره.
وأما قول الشيخ أبو غدة بأن مصطلح الحسن كان معروفاً قبل الترمذي بزمن فصحيح ولكن ليس بالمعنى الاصطلاحي كما سنبينه فيما بعد، فيسلم لابن تيمية وللذهبي كلامهما بأن يحمل على أنه أول من اصطلح هذا الاصطلاح على هذا النوع بعينه لا أنه أول من استعمل لفظ الحسن من المحدثين.
وتأكيداً لما ذكرت يقول ابن الصلاح:"من أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن، ويجعله مندرجاً في أنواع الصحيح لاندراجه في أنواع ما يحتج به، وهو الظاهر من كلام الحاكم أبي ابد الله الحافظ في تصرفاته، وإليه يومئ في تسميته كتاب الترمذي بالجامع الصحيح، وأطلق أبو بكر الخطيب أيضاً عليه اسم الصحيح وعلى كتاب النسائي، وذكر الحافظ أبو طاهر السلفي الكتب الخمسة وقال: اتفق على صحتها علماء المشرق والمغرب، وهذا تساهل لأن فيها ما صرحوا بكونه ضعيفاً أو منكراً أو نحو ذلك من أوصاف الضعيف. وصرح أبو داود فيما قدمنا روايته عنه بانقسام ما في كتابه إلى صحيح وغيره، والترمذي مصرح في كتابه بالتمييز بين الصحيح والحسن، ثم إن من سمى الحسن صحيحاً لا ينكر أنه دون الصحيح المقدم المبين أولاً، فهذا إذا اختلاف في العبارة دون المعنى، والله أعلم".
ويقول السخاوي عن تقسيم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف " وذلك بالنظر لما استقر اتفاقهم بعد الاختلاف عليه وإلا فمنهم كما سيأتي في الحسن بما حكاه ابن الصلاح في غير هذا الموضع من علومه من يدرج الحسن في الصحيح لاشتراكهما في الاحتجاج".
ولكنه بعد ذلك قال: "بل نقل الترمذي إجماعهم إلا الترمذي عليه خاصة" فهذا يوهم أن ابن تيمية نقل الإجماع على أدراج الحسن في الضعيف وليس كذلك كما قدمنا عنه فإنه يرى إدراج الحسن في الضعيف والله أعلم.
وقال السيوطي في تقسيم الحديث إلى أقسامه الثلاثة:" لأنه إمام مقبول أو مردود، والمقبول إما أن يشتمل من صفات القبول على أعلاها أولا،والأول الصحيح والثاني الحسن والمردود لا حاجة إلى تقسيمه لأنه لا ترجيح بين أفراده. " وهذا يؤكد ما ذكرت من أن السابقين كانوا يجعلون الحسن من قبيل الصحيح لا من قبيل الضعيف.
وأما بالنسبة لكلام الخطابي فقد علق العراقي عليه بقوله " ولم أر من سبق الخطابي إلى تقسيمه المذكور".
وعلق ابن حجر على كلام الخطابي بقوله " والظاهر أن قوله- أي الخطابي – عند أهل الحديث من العام الذي أريد به الخصوص أي الأكثر والذي استقر في اتفاقهم عليه بعد الاختلاف ".
والحقيقة أنني استغرب كلام العراقي هذا في التعليق على الخطابي، وذلك لما سبق نقله من تقسيم الحديث إلى أقسامه الثلاثة، عن مسلم وعن أبي داود وعن الترمذي، ولعله أراد أن الخطابي هو أول من سمي هذه الأنواع بهذه المصطلحات وإلا فالتقسيم الثلاثي معروف قبل الخطابي. ولا يتم له هذا إذا قلنا أن أول من اطلق على النوع المتوسط بين الصحيح والضعيف بمصطلح الحسن هو الترمذي وأما اصطلاح الصحيح والضعيف فموجود قبل الترمذي، ولعلي بالعراقي يعني أن الخطابي هو أول من قسم الحديث بهذا التقسيم صراحة ناسبا له إلى أهل الحديث والله تعالى أعلم.
وخلاصة الأمر في النقاط التالية:-
1 - تقسيم الحديث إلى ثلاثة أقسام هو المشهور والمعروف عن المحدثين، ولكن دون إطلاق مصطلحات خاصة على كل قسم وخاصة الحسن.
2 - الترمذي وافق غيره من المحدثين في التقسيم الثلاثي ولكنه أول من اصطلح على المتوسط بين الصحيح والضعيف بمصطلح الحسن.
3 - مذهب ابن تيمية في عدم وجود التقسيم الثلاثي قبل الترمذي يحمل على أنه أراد أن الترمذي هو أول من قسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف، بدليل أنه قال أن الحديث عند من هم قبل الترمذي قسمان صحيح وضعيف فينقسم إلى مقبول ومتروك، فهو ثلاثة أقسام، ولكنه الصواب أن يقول أنه كان قبل الترمذي قسمان صحيح وصحيح دون الأول وضعيف.
4 - الخطابي في تقسيمه لم يكن مبتدعاً لشيء جديد وإنما هو شيء نقله عن أهل الحديث والله أعلم.