ب- أما التفسير بالسنة، فينبغي ألا يُلْتَفت إلى غيره إذا صحَّ الحديث، فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أعلم الناس بكتاب الله - تعالى - وتفسيره له وحي من الله، فيكون أصحَّ شيء.
ولا يُستبعد أن يقوم المفسِّر بتفسير آيات على غير ما فسَّره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا لم يكن مطلعًا على قوله - عليه الصلاة والسلام - فقوله - تعالى -: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} [الفلق: 3]، معناه: ومن شرِّ القمر إذا دخل في الخسوف؛ دليلُه ما قالته عائشة - رضي الله عنها -: نظر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلى القمرِ فقال: ((يا عائشة، استَعيذي بالله من شرِّ هذا، فإن هذا الغاسقُ إذا وقب))؛ رواه الترمذي، والحاكم، وأحمد بإسناد صحيح.
لكن المفسرين يوردونها بمعنى: "الليل إذا أظلم"، وأصرَّ بعضهم على هذا المعنى بعد اطِّلاعه على تفسير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لها، وذكرَ أن هذا التفسير لا يتعارض مع تفسيره - عليه الصلاة والسلام!
قلت: الظلام ينتشر عند الخسوف أيضًا، وخاصة عند اكتمال دخوله إلى منطقة ظل الأرض، حيث يخسف كامل قرص القمر؛ لكن المعنى الصحيح الأول هو ما ذكره النبي - عليه الصلاة والسلام - والتوسع فيه قد يكون ممكنًا، ولكن يورد الأصل الذي لا شك فيه على أنه هو المقصود، وهو قوله - عليه الصلاة والسلام - ويذكر هنا أيضًا الحديث أو الحادثة التي تورد عند قوله – تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24].
والذي يسدُّ نقصًا في هذا هو أن سنته - صلى الله عليه وسلم - مبيِّنة للقرآن، وإن لم يذكر أنها تفسير للآية كذا، فتفاصيل الصلاة، والصوم، والحج، وغيره - موجودة في السنة الصحيحة، وقد أحسن ابن كثير والقرطبي في تفسيريهما، وغيرهما من مفسري المأثور والأحكام، في هذا المجال خاصة.
وتبرز هنا مشكلات:
الأولى: أنه لم يصحَّ من تفسير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا القليل، وقد كانت لي جولة مبدئية بين ما صحَّ من تفسيره - عليه الصلاة والسلام - في الصحيحين وسنن أخرى، فكان في نحو مائة آية، وقد استخرجت منها "الأربعين التفسيرية"، وهي إحصاء مبدئي محدود، فيكون أكثر بالبحث والدراسة - إن شاء الله.
الثاني: أنني وقفت على أكثر من عنوان باسم "تفسير النبي - صلى الله عليه وسلم"، ولكن لم أجده مخطوطًا، ولا مطبوعًا، فلعله من المفقود.
الثالث: أنه مثل غيره من الأحاديث، الذي فيه الصحيح وغيره، فلا بدَّ من فرزه وتصفيته؛ ليُعْتَمد الصحيح منه.
وإن أهم عمل في هذا هو جمع ما صحَّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من التفسير.
ج- وبالنسبة لأقوال الصحابة - رضوان الله عليهم - في التفسير، فينبغي أن تخرَّج كذلك؛ ليُعلمَ الصحيح منه، ويُعْتمد بعد تفسير رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ويُرَكَّز من بينها على تفسير ابن عباس - رضي الله عنهما - فهو حبر الأمَّة، وأعظم مفسِّر في الصحابة، وقد لاحظت أن مفسرين يوردون قوله، ثم يختارون لتفسير الآية قولاً آخر، ليس هو من أقوال الصحابة أصلاً، حتى عند ابن كثير - رحمه الله - أحيانًا، ولا يعني هذا أن تفسيره - رضي الله عنه - مقدَّس لا يتجاوز إلى غيره، ولكن يؤخذ في الاعتبار جيدًا، فقد دعا له الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما يأتي تخريجه، وهو أعلم الصحابة بالتفسير، ونحن هنا في مجال اختيار الصحيح والأَولى.
د- ثم يأتي تفسير التابعين، وهو كثير، ومفيد، لو أنه نُخِل، ويُعتمد بعد تفسير الصحابة - رضوان الله عليهم - مع تفصيل للمتخصصين في ذلك.
وإذا سألنا عن تفسير أو تفاسير جَمَعت كل هذه الشروط؛ أعني: تفسير القرآن بالقرآن، وما ورد من أقوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأقوال الصحابة والتابعين في التفسير - فالجواب أنها موجودة مع زيادات أتباع التابعين وغيرهم، وأولها تفسير ابن جرير الطبري، ولعل آخرها "الدر المنثور في التفسير بالمأثور"، للسيوطي - رحمه الله - وهذا النوع يُسَمَّى "التفسير بالمأثور"، وفيه ما هو مسنَد، وما هو غير مسند، ولكن المشكلة تكمن في أن فيها الصحيح والضعيف والموضوع، والمطلوب في هذا الاقتصار على الصحيح منه.
المشكلة والحل في كتب التفسير المأثور:
¥