تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لقد تبيَّن للقارئ أن التفسير بالمأثور – الذي يكون هو المعتمد – يحتاج إلى فرز الصحيح من بين رواياته؛ فأحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - في التفسير مبثوثة في كتب الأحاديث والتفسير وغيرهما، وأقوال الصحابة فيها، وفي كتب السيرة، والتاريخ، والفقه، والزهد، وأقوال التابعين كذلك، وقد ذكرنا أن الإمام السيوطي جمعها في تفسير "الدر المنثور"، ولا شك أنه يُستدرك عليه كما يُستدرك على غيره، فقد بحثت عن أقوال صحابة وتابعين في هذا التفسير، فلم أجدها فيه.

فالأمر يحتاج إلى متابعة، وتخريج ما يلزم، وقد صدر تفسير السيوطي المذكور محققًا بإشراف أو تحقيق الأستاذ عبدالله بن عبدالمحسن التركي، وفيه تخريج وحل لمشكلة ومشكلات منه، لكن التخريج ليس لكله، فبعضها غير مُسْنَد، والحكم على الحديث والأثر والخبر يكون من خلال السند، وتفسير ابن كثير كذلك، ثم إن هذا وذاك ليس فيه اقتصار على الصحيح؛ بل فيه ما هو دون الصحيح، ودون الضعيف.

فالأمر يحتاج إلى خطوات، من الجمع الشامل، ثم التحقيق والتخريج الوافي، ثم فرز الصحيح منه.

ولا شك أن هناك اعتراضاتٍ في طريق ما هو صحيح أيضًا، من حيث تعدُّدُ الروايات عن شخص واحد في التفسير نفسه، كما يروى عن ابن عباس وغيره، وأحيانًا من حيث الاختلاف في حكم الحديث والأثر، ثم اختلاف بعض الصحابة والتابعين في تفسير آيات عديدة، وقبل هذا وجود آيات مشكِلة ومتشابهة، وإذا كان بعض المفسرين قد خاضوا فيها، وبعضهم قرَّب المعنى، فإن بعضها لا يمكن التأكيد على معناها، مثل الحروف المقطَّعة الواردة في أوائل بعض السور.

هذا إضافة إلى آيات كثيرة لم يَرِد في تفسيرها أحاديث، ولا أقوال الصحابة ولا التابعين، وبعضها غير واضح وغير كافٍ، ولذلك انبسط الشيخ ابن عاشور في تفسيره كثيرًا من صنيع أصحاب "معاني القرآن" في تفسير ألفاظ وآيات كثيرة في القرآن لغويًّا ونحويًّا، مما يساعد على فهم المقصد والمعنى من آيات كثيرة، وهو يدخل ضمن التفسير بالرأي.

المشروع المقترح:

أشير أولاً إلى أنه لا مطمع لنا في تفسير شامل للقرآن، يُحكم عليه بالصحة مطلقًا؛ نظرًا لعدم وجود تفسير كامل من رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - له، وفي ذلك حِكْمة، وحتى التفسير المأثور عنه - عليه الصلاة والسلام - قليل كما ذكرتُ، وهذا القليل فيه الصحيح وما دونه، وكذلك أقوال الصحابة لو جمعت، لما كان لكامل القرآن، و"تفسير ابن عباس" المطبوع قديمًا ليس هو تفسيره بحق، وأقوال التابعين تقاس على ما سبق.

الأمر الآخر هو اختلاف الاتجاهات، تبعًا للمدارس والمذاهب التي ينتمي إليها المسلمون، فإن بعضهم لا يقبل تفسير آياتٍ، ولو كانت من عند ابن عباس - رضي الله عنهما - الذي دعا له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((اللهمَّ فقِّهه في الدِّين، وعلِّمهُ التأويل))؛ (رواه أحمد في "مسنده"، وابن حبان في "صحيحه"، وصححه الشيخ شعيب)، ثم آيات الأحكام في القرآن التي اختلف الفقهاء في كثير منها، فصارت هناك مذاهب، أكثر من الأربعة التي يعرفها القارئ.

كما أن هناك علومًا كثيرة للقرآن الكريم يمكن إدراجها ضمن التفسير؛ ليزداد وضوحًا عند القارئ، مثل أسباب النزول وغيرها.

وهذا الذي أذكره؛ لأخلص إلى أن التفسير المقترح ينبغي أن يجتمع له أعلام وتخصصات متنوعة، فالتفسير فيه أنواع من العلوم، من فقه، ونحو، وقراءات ... ويعني هذا أن قيام شخص واحد بهذا العمل يكون صعبًا جدًّا، فلا بدَّ من جهد جماعي له، وهذه الجماعة تكون مختارةً من أفضل العلماء وأكثرهم خبرة في التفسير أولاً، ثم في تخصصات أخرى تدخل في التفسير.

ومشكلة الآيات التي لم تفسَّر من قِبَل السلف يمكن حلها باختيار ما اتفق عليه المفسرون أو أكثرهم، أو ما يناسب العصر مما تَحقَّق منه أو ثبت علميًّا، وفي كلام المفسرين اتفاق أو تقارب شديد في آيات كثيرة، فإن أكثر القرآن واضح، يفهمه المسلمون حتى لو لم يكونوا علماء؛ بل إن التعمُّق في معنى آيات وتبسيطها أذهبَ جَمالَ تفسيرها السهل، ومدلولها الواضح الذي لا غبار عليه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير